
منذ مطلع هذا الشهر، تسلّمت قيادة أمريكية جديدة تُعرف باسم CMCC (قيادة مدنية–عسكرية مشتركة) مهمة الإشراف على إدخال الغذاء والمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، لكنها تواجه صعوبات كبيرة في تنظيم العملية بحسب ذاماركر، ما خلق حالة من الارتباك بين المنظمات الإنسانية العاملة في الميدان.
المقر الجديد للقيادة أُقيم داخل مبنى ضخم استأجرته الولايات المتحدة في المنطقة الصناعية بمدينة كريات غات جنوب البلاد. المبنى، الذي تملكه شركة “فلاينغ كارجو”، كان مهجورًا لمدة ستة أشهر، وتم تجهيزه بسرعة لاحتضان المقر الجديد الذي يضم نحو مئتي موظف. مصادر في سوق العقارات بالمدينة قدّرت أن تكلفة الإيجار تتراوح بين 50 و60 شيكلًا للمتر المربع، ودفعت الولايات المتحدة مبالغ إضافية بلغت آلاف الشواكل للمتر الواحد لتأهيله وتجهيزه، ووُصف المبنى بأنه “يشبه مجمع عمل مشترك على نمط وي وورك”.
بحسب ذاماركر، تتولى قيادة CMCC تنسيق إدخال الغذاء والمستلزمات الطبية إلى ما يُعرف بـ “المنطقة الحمراء” داخل قطاع غزة، وهي المنطقة التي تشكّل نحو 47% من مساحة القطاع وتخضع لسيطرة حماس، ويُقيم فيها قرابة مليوني شخص. كما يُفترض أن تكون هذه القيادة مسؤولة لاحقًا عن تنسيق جهود إعادة إعمار القطاع.
لكن منذ بدء عملها، تواجه المنظمات الإنسانية صعوبات متزايدة في العمل تحت إشراف القيادة الجديدة. فبعد وقف إطلاق النار، لم تعد هذه المنظمات تتعامل مباشرة مع الجيش الإسرائيلي أو مع حماس كما كان الحال سابقًا، بل بات عليها العمل عبر المقر الأمريكي الجديد. غير أن العاملين داخل هذه المنظومة — نحو مئتي موظف في المقر الكبير الذي حُوِّل إلى مركز تنسيق — ما زالوا، وفق مصادر ميدانية، غير متأكدين من كيفية إدارة العملية.
وفي تصريح لذاماركر، قال أحد العاملين في منظمات الإغاثة الذين يتعاملون مع القيادة الجديدة: “قبل وقف إطلاق النار كنا نتواصل مباشرة مع الجيش الإسرائيلي وحماس، وكانت الأمور أوضح. الآن كل شيء يمر عبر القيادة الأمريكية، لكن لا أحد يعرف من يتخذ القرار ومتى. نحاول إدخال معدات طبية أو مواد بناء، لكننا لا نعرف مع من نتحدث ولا من يوافق على الطلبات. الوضع يشبه قيادة طائرة أثناء بنائها”.

ونتيجة لهذا التخبط، تراجع حجم المساعدات بشكل حاد. فبحسب التفاهمات التي رافقت وقف إطلاق النار، كان يُفترض أن تدخل غزة 600 شاحنة مساعدات يوميًا، لكن العاملين في الميدان يقدّرون أن ما يدخل فعليًا لا يتجاوز 25% من هذا الرقم. ويشيرون إلى أن السكان لم يلمسوا أي تحسن في توفر المياه النظيفة أو المأوى، رغم وعود واشنطن بتحسين آليات التنسيق.
أحد التطورات البارزة بحسب ذاماركر هو توقف منظمة GHF الأمريكية (ما تعرف بمؤسسة غزة الإنسانية) عن عملها بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من داخل غزة إلى ما يُعرف بـ “الخط الأصفر”، وهو الحدود التي تفصل بين مناطق سيطرة إسرائيل والمناطق التي تخضع لإدارة حماس. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت عملية إدخال الغذاء تعتمد على برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الذي يُدخل بشكل أساسي الطحين، وعلى تجار محليين يقومون بإدخال كميات محدودة من الخضروات والفواكه والبيض، وهي كميات يصفها العاملون في الميدان بأنها “غير كافية إطلاقًا”.
مصدر مطّلع على حركة التجارة عبر المعابر أوضح لذاماركر أن “خلف النشاط التجاري الحالي تقف شركات خاصة تموَّل من مصر وتركيا ودول أخرى، وهناك تجار يحققون أرباحًا كبيرة من الوضع القائم”. وأضاف أن الأتراك يلعبون دورًا متزايدًا من خلال تبرعات وجمعيات خيرية، مثل الهلال الأحمر التركي، الذي يقدّم مساعدات داخل القطاع بشكل غير مباشر عبر منظمات وسيطة، حتى دون وجود رسمي له داخل غزة.
وهكذا، وبينما لا تزال القيادة الأمريكية الجديدة تحاول تنظيم عملها وإثبات قدرتها على إدارة واحدة من أكثر المهمات الإنسانية تعقيدًا في المنطقة، يبقى سكان غزة في مواجهة واقع صعب لم يتغير كثيرًا: نقص حاد في الغذاء والمياه والمأوى، وتنسيق دولي متخبط.
مقالات ذات صلة: استقرار أسواق غزة لا يزال بعيدًا: انخفاض تدريجي في الأسعار بعد دخول الشاحنات











