/
/
وعدا ترامب الكبيران جعجعة بلا طحين: العجز التجاري يرتفع والدين الأميركي يبلغ مستوى تاريخي خطير

وعدا ترامب الكبيران جعجعة بلا طحين: العجز التجاري يرتفع والدين الأميركي يبلغ مستوى تاريخي خطير

أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
1024px Donald Trump 53786991212 e1730895355515
وعود ترامب خلال حملته الانتخابية لم تثمر. الصورة: ويكيميديا

بعد وعوده المتكررة بإعادة العظمة للاقتصاد الأميركي، تبدو نتائج سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الحالية بعيدة عن التوقعات. فبدلاً من تقليص العجزين الكبيرين — التجاري والمالي — كما وعد، تشير الأرقام إلى أن كلا الجبهتين تشهدان تدهورًا متسارعًا، بينما يحذر خبراء الاقتصاد من أزمة دين تهدد استقرار الاقتصاد الأكبر في العالم.

ترامب تعهّد خلال حملته الانتخابية بمعالجة العجز التجاري الأميركي، وهو الفارق بين ما تستورده الولايات المتحدة وما تصدّره، والذي يُعدّ من أقدم التحديات البنيوية في الاقتصاد الأميركي. ولتحقيق ذلك، قرر فرض رسوم جمركية ضخمة على الواردات، وخاصة من الصين، بهدف تشجيع التصنيع المحلي ومنح الصادرات الأميركية تفوقًا تنافسيًا. هذه الرسوم أدخلت بالفعل مليارات الدولارات إلى خزينة الدولة، إذ وصلت عائدات الجمارك خلال العام المالي 2025 إلى 195 مليار دولار — ضعف ما جُمع في السنة السابقة — لكنها مثّلت في النهاية فقط 3.7% من إجمالي إيرادات الحكومة الفدرالية البالغة 5.2 تريليون دولار، فيما ظل 51% من هذه الإيرادات يأتي من ضريبة الدخل الفردي.

ورغم هذه العائدات، العجز التجاري ازداد بدل أن يتقلّص. ففي يوليو 2025 بلغ العجز الإجمالي في السلع والخدمات 78.3 مليار دولار، وهو الأعلى منذ مارس من العام نفسه، أي قبل فرض الرسوم. وبلغت قيمة الواردات 96.2 مليار دولار مقابل صادرات قيمتها 59.9 مليار دولار، ما يعني أن الفارق الصافي في السلع وحدها وصل إلى 36.3 مليار دولار.

أما الصين، الهدف الرئيسي للحرب التجارية، فقد نجحت في تجاوز الضغط الأميركي. فبينما انخفضت صادراتها إلى الولايات المتحدة بنسبة 27% خلال ستة أشهر متتالية من التراجع، ارتفعت صادراتها الإجمالية إلى العالم بنسبة 8.3% في سبتمبر، لتصل إلى 328.6 مليار دولار، وهو أعلى مستوى سنوي. عوّضت بكين خسائرها في السوق الأميركية بتوسيع تجارتها مع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، ما جعل آثار الرسوم الأميركية محدودة عليها.

النتائج كانت أقسى على المزارعين الأميركيين، الذين يشكّلون قاعدة انتخابية قوية لترامب. فالصين فرضت حظرًا تامًا على شراء فول الصويا الأميركي منذ مايو الماضي، ما تسبب بانهيار صادرات هذا القطاع الحيوي. المزارعون الأميركيون لم يبيعوا ولو كيلوغرامًا واحدًا من فول الصويا إلى الصين منذ ذلك الحين، فيما بدأت الحكومة الأميركية تدرس حزمة إنقاذ بقيمة 10 مليارات دولار لتعويض خسائرهم. في المقابل، تحوّلت الصين إلى البرازيل، التي أصبحت أكبر مورّد لفول الصويا إلى السوق الصينية، وجنت مكاسب هائلة من الأزمة، في مشهد يعكس كيف أضرت الحرب التجارية بالاقتصاد الأميركي أكثر مما أفادته.

أما الوعد الاقتصادي الثاني لترامب، وهو خفض العجز المالي وتقليص الدين العام للولايات المتحدة، فقد انتهى هو الآخر بالفشل بعد أن ارتفع الإنفاق الحكومي واستمر الدين في التضخم. الرئيس الأميركي عيّن في بداية ولايته رجل الأعمال إيلون ماسك على رأس “مكتب الكفاءة الحكومية” (DOGE)، في محاولة لإصلاح هيكل الإنفاق العام، مع وعود بتقليص النفقات بمقدار تريليوني دولار. لكن النتيجة كانت معاكسة تمامًا. فبحسب تقرير مكتب الميزانية التابع للكونغرس، ارتفعت نفقات الحكومة الأميركية في العام المالي 2025 بنسبة 4% لتصل إلى 7.04 تريليون دولار، أي بزيادة 220 مليار دولار عن العام السابق. حتى بعد استبعاد مدفوعات الفائدة، ظل الإنفاق في ارتفاع.

President Donald Trump signs Executive Orders 54325856729 e1744554720936
دونالد ترمب يوقع أمرًا تنفيذيًا في البيت الأبيض وخلفه وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك، الصورة: ويكيميديا

المدفوعات على الفائدة وحدها بلغت 1.029 تريليون دولار — وهو رقم غير مسبوق في التاريخ الأميركي — أي ما يعادل 14.3% من إجمالي الإنفاق الحكومي، أو 3% من الناتج المحلي الإجمالي. هذه الزيادة لا تعود فقط إلى ارتفاع أسعار الفائدة خلال السنوات الأخيرة، بل أيضًا إلى تضخم الدين العام نفسه، الذي وصل بنهاية السنة المالية 2025 إلى 37.64 تريليون دولار، أي ما يعادل 125% من الناتج المحلي الإجمالي. من هذا المبلغ، نحو 30.28 تريليون دولار تمثل ديونًا مستحقة للجمهور، والباقي ديون بين مؤسسات حكومية.

المقلق في هذه الأرقام أن الدين استمر في الارتفاع رغم أن الاقتصاد الأميركي سجل نموًا في 2025، وهو ما يفترض أن يؤدي عادة إلى خفض العجز وليس زيادته. تاريخيًا، فترات النمو كانت تساعد على تقليص الدين، أما فترات الركود فتزيده، كما حدث في 2008 و2020.

ويرى خبراء أن جذور الأزمة أعمق من الرسوم الجمركية أو الكفاءة الإدارية، إذ ترتبط ببنية الاقتصاد الأميركي نفسه. فجزء كبير من الإنفاق الحكومي يذهب إلى برامج التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية “ميديكير”، وهما مجالان تتضخم نفقاتهما مع تقدم السكان في العمر. ورغم أن إصلاحهما ضروري لضبط العجز، إلا أن لا أحد يجرؤ سياسيًا على المساس بهما لأن كبار السن يشكلون الكتلة الانتخابية الأهم. يضاف إلى ذلك نفوذ جماعات الضغط الطبية وشركات الأدوية والمستشفيات، التي تعرقل أي محاولة لإصلاح نظام صحي يُعدّ الأغلى في العالم من حيث الكلفة، لكنه من حيث النتائج دون المستوى مقارنة بالدول المتقدمة.

وإلى جانب هذه المصاريف، زاد ترامب الإنفاق الدفاعي بشكل ملحوظ، بل غيّر اسم وزارة الدفاع إلى “وزارة الحرب”، ما رفع العبء المالي أكثر.

الملياردير والمستثمر الشهير راي داليو، مؤسس صندوق “بريدج ووتر”، حذّر مؤخرًا من أن الدين الأميركي قد ينهار على نفسه ويُسقط الاقتصاد. وقال إن الوضع المالي الحالي “يشبه ما كان عليه العالم قبل الحرب العالمية الثانية”، واصفًا الدين بأنه “كالدهون التي تسد الشرايين وتخنق الاستهلاك”. كما حذر من أن تضخم الدين يهدد مكانة الدولار كعملة مهيمنة في النظام المالي العالمي، ودعا إلى رفع الضرائب وتقليص الإنفاق لتفادي الانهيار، لكنه رفض اقتراحات راديكالية مثل إنشاء نظام رعاية صحية حكومي شامل.

مقالات ذات صلة: رغم الحرب التجارية مع واشنطن: صادرات الصين تقفز إلى 328 مليار دولار وتسجّل أفضل أداء منذ نصف عام

مقالات مختارة