
في قاعة الكنيست، وأثناء خطاب “النصر”، وقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبتسم وهو يشير إلى مقعد في صفوف الشخصيات الهامة. هناك جلست ميريام أديلسون (80 عامًا) بساعة مرصعة بالألماس، بصفتها المتبرعة الأكثر نفوذاً في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل. دعاها ترامب لتقف وسط تصفيق الحضور قائلاً: “إنها تحب إسرائيل”، قبل أن يُغلّف حديثه بالمزاح: “سأقول شيئاً ربما يوقعها في مشكلة. سألتها مرة: من تحبين أكثر، الولايات المتحدة أم إسرائيل؟ رفضت الإجابة… ربما يعني هذا إسرائيل”. تلك العبارة التي ضجت بها القاعة كفيلة بأن ترسم صورة امرأة أصبحت رمزاً لتحالف المال والسياسة والدين بين واشنطن وتل أبيب.
ولدت ميريام أديلسون في تل أبيب قبل النكبة، وتحديدًا عام 1945. درست الطب وتخصصت في علاج الإدمان، لكنها سرعان ما انتقلت من المجال العلمي إلى النفوذ السياسي. زواجها من الملياردير الأميركي شيلدون أديلسون، الذي أسس أكبر إمبراطورية للقمار في العالم عبر شركته “لاس فيغاس ساندز”، غيّر مسار حياتها بالكامل، وفتح لها أبوابًا في واشنطن لكي تنفذ من خلالها أفكارها الصهيونية. ومع وفاته عام 2021، ورثت ميريام الحصة الأكبر من ثروته، لتصبح واحدة من أغنى نساء العالم، وتحتل موقعاً مركزياً في تمويل الحملات الانتخابية والسياسات المؤيدة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة.
كان شيلدون أديلسون شخصية مثيرة للجدل في عالم المال والسياسة، رجل يملك القدرة على الدخول إلى البيت الأبيض متى شاء، “كان يدخل حتى من النافذة” كما قال ترامب نفسه “مازحاً”. لم تكن العلاقة بين الزوجين وترامب تقتصر على التبرعات السياسية، بل “صداقة” وثيقة امتدت إلى العشاءات الخاصة والاجتماعات المتكررة. حيث كانت ميريام ترافق زوجها باستمرار إلى واشنطن، حاملة أموال زوجها في جيب، و دعم إسرائل في الجيب الآخر. ثمّ أصبحت، مع مرور الوقت ووفاة زوجها، هي وجه العائلة في الكواليس السياسية الأميركية.
في خطابه الأخير أمام الكنيست، أشاد ترامب بها وبزوجها الراحل، معترفاً بتأثيرهما في صياغة أهم قراراته المرتبطة بإسرائيل، من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل عام 2017، إلى نقل السفارة الأميركية إليها عام 2018، وصولاً إلى تأييد السيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل في 2019. وذكر ترامب أن ميريام أديلسون كانت تتواصل معه شخصياً أثناء الأزمات، بل وحثته خلف الكواليس على مواصلة الضغط لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في غزة.

تدير ميريام اليوم شبكة مالية وإعلامية ضخمة تمتد من لاس فيغاس إلى تل أبيب. فهي المالكة لصحيفة “إسرائيل هيوم”، إحدى أكبر الصحف في إسرائيل وأكثرها تأثيراً، والمعروفة بدعمها القوي لليمين الإسرائيلي ولرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. الصحيفة، التي توزع مجاناً في الشوارع الإسرائيلية، تُعتبر في نظر خصومها الذراع الإعلامي غير الرسمي للحكومة اليمينية. كما تمتلك عائلتها صحيفة Las Vegas Review-Journal في الولايات المتحدة، وهي واحدة من أكبر الصحف الإقليمية الأميركية.
منذ وفاة زوجها، حافظت ميريام على موقعها كمصدر تمويل أساسي للسياسات المحافظة في أميركا. ففي انتخابات 2024 وحدها، تبرعت بأكثر من 100 مليون دولار لدعم حملة ترامب، لتصبح ثالث أكبر مانح بعد إيلون ماسك وتيموثي ميلون. وقد ربطت تقارير إسرائيلية تلك التبرعات بمساعٍ لدفع الإدارة الأميركية إلى تأييد ضم الضفة الغربية لإسرائيل، رغم نفي متحدث باسمها وجود أي شروط سياسية خلف دعمها المالي. ومع ذلك، فإن كثيرين في واشنطن يرون أن تأثيرها تجاوز حدود التبرعات، ليصبح جزءاً من شبكة نفوذ تُعرف بـ”مال اللوبيات السياسية” التي تؤثر في صناعة القرار الأميركي لصالح إسرائيل.
منحها ترامب في عام 2018 وسام الحرية الرئاسي، وهو أعلى تكريم مدني في الولايات المتحدة، “تقديراً لأعمالها في مجال الأبحاث الطبية ودعمها القضايا المحافظة”. وخلال لقاءاتهما الأخيرة، تناولت ميريام العشاء مع ترامب أكثر من مرة بين عامي 2023 و2024، حيث كانت النقاشات تدور حول إسرائيل وحرب غزة ومستقبل “السلام في الشرق الأوسط”، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.

في نظر مؤيديها، خاصة من اليمين الإسرائيلي والأمريكي، هي امرأة ناجحة جمعت بين العلم والمال والسياسة، وفي نظر منتقديها، تمثل نموذجاً لنفوذ المال في السياسة الأميركية، ولمدى تغلغل النفوذ الإسرائيلي في أروقة السلطة في واشنطن، على حساب الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني وكل القيم الإنسانية والأخلاقية، وهو ما لخّصه ترامب بجملة واحدة أمام الكنيست حين قال: “إنها تحب إسرائيل أكثر من أي شيء آخر”…
مقالات ذات صلة: رئيس أكبر دولة إسلامية يغازل إسرائيل: هل يضع “الانفتاح الاقتصادي” إندونيسيا على طاولة التطبيع؟











