
بحسب تقرير نشره موقع “غلوبس” الاقتصادي، فإن المقاطعة التي فرضتها تركيا على إسرائيل في ربيع عام 2024، بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تسببت بخسائر فادحة لأنقرة تفوق الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الإسرائيلي نفسه، إذ تحوّلت المقاطعة التجارية بسرعة إلى عبء اقتصادي ثقيل على القطاعات الصناعية التركية، في حين نجحت إسرائيل، بحسب غلوبس، في امتصاص الصدمة وتجاوز آثارها في وقت قصير نسبيًا.
بدأت المقاطعة في أبريل 2024 حين فرضت أنقرة حظرًا شاملًا على تصدير أكثر من 54 فئة من المنتجات إلى إسرائيل، شملت مواد البناء مثل الحديد والزجاج والإسمنت والرخام، ثم توسع الحظر تدريجيًا ليشمل كامل التبادل التجاري بين البلدين. وبحسب “غلوبس”، فإن حجم الصادرات التركية إلى إسرائيل انخفض بأكثر من النصف خلال أشهر قليلة، من نحو 4.6 مليارات دولار في عام 2023 إلى قرابة 2 مليار فقط. كما تراجع حجم الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا بنحو مليار دولار، خاصة في مجالات الكيماويات والمعادن والبلاستيك.
أدى القرار إلى ارتباك واسع في سوق البناء الإسرائيلي، إذ كانت تركيا لسنوات المورد الرئيسي لمواد البناء، لكن رغم الصدمة الأولية، تمكن المستوردون بسرعة من إيجاد بدائل من اليونان وإيطاليا وقبرص والصين، ما خفف من حدة الأزمة. وأشار أحد المقاولين في تصريحات لموقع “غلوبس” إلى أن الأسعار ارتفعت مؤقتًا بنسبة تراوحت بين 30 و40% لمواد مثل الحديد والألمنيوم والأدوات الصحية، إلا أن القطاع لم يتوقف عن العمل، بل تكيف مع الوضع عبر تنويع الموردين. تقرير بنك إسرائيل بدوره أكّد أن تأثير الحظر على الاقتصاد العام كان محدودًا، إذ لم يتجاوز أثره 0.7 نقطة مئوية على مؤشر أسعار مواد البناء، مشيرًا إلى مرونة السوق وقدرتها على الحفاظ على الاستقرار من خلال تنويع سلاسل الإمداد.

لكن الصورة في تركيا كانت أكثر قتامة بحسب “غلوبس”، حيث خسرت أنقرة أحد أكثر أسواقها استقرارًا في الشرق الأوسط، وتراجع دخلها من صادرات المعادن والرخام والزجاج والمنسوجات بشكل حاد. ووفق بيانات رسمية صادرة عن هيئة الإحصاء التركية، ارتفع معدل الإفلاس الصناعي بنحو 20% حتى نهاية عام 2024، نتيجة تراجع الطلب الخارجي ونقص العملة الصعبة. ومع استمرار ارتفاع التضخم وتراجع سعر الليرة، ازداد الضغط الداخلي على الحكومة من جانب جمعية الصناعيين والنقابات لإنهاء الحظر التجاري على إسرائيل.
ونقلت غلوبس عن أحد المسؤولين في “جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك” قوله إن “إسرائيل قد تكون سوقًا صغيرة، لكنها سوق تدفع في الوقت المحدد وتوفر فرص عمل ومكاسب للنقل والتأمين والتمويل”، مضيفًا أن فقدان هذا السوق يعني خسارة شبكة كاملة من المصالح الاقتصادية المتشابكة. وتضيف الصحيفة أن هذا الوضع دفع حكومة أردوغان إلى مراجعة موقفها تدريجيًا، خصوصًا بعد أن تزايدت المؤشرات على تباطؤ النمو وازدياد العجز التجاري.
وتشير التقديرات التي أوردها “غلوبس” إلى أن الحكومة التركية بدأت في الأشهر الأخيرة البحث عن صيغة لإعادة العلاقات الاقتصادية ضمن إطار أوسع من “المصالحة السياسية”، خاصة في ضوء سعي أردوغان إلى استعادة دور إقليمي في ملفات الشرق الأوسط من خلال مبادرات تتعلق بإعادة إعمار غزة والتوسط بين الفصائل الفلسطينية والغرب. أما في إسرائيل، فيبدو أن التعاطي مع الانفتاح الجديد يتم بحذر ولكن باهتمام واضح، إذ يرى مسؤولون في وزارة الاقتصاد أن عودة التبادل التجاري مع تركيا قد تسهم في خفض أسعار مواد البناء وتخفيف الضغط التضخمي وتحسين المنافسة في السوق المحلية.
وبحسب التقرير نفسه، بدأت بالفعل خطوات صغيرة لإعادة قنوات التواصل، من بينها مناقشة استئناف الرحلات الجوية ورفع بعض القيود تدريجيًا على استيراد منتجات تركية محددة مثل الحديد والمنسوجات. وإذا استمر هذا المسار بالوتيرة الحالية، فقد يعود حجم التجارة بين البلدين إلى مستواه ما قبل الحظر في النصف الأول من عام 2026.
مقالات ذات صلة: رئيس أكبر دولة إسلامية يغازل إسرائيل: هل يضع “الانفتاح الاقتصادي” إندونيسيا على طاولة التطبيع؟











