
سجّلت الصين في سبتمبر أداءً تجاريًا غير مسبوق منذ ستة أشهر، إذ ارتفعت صادراتها بنسبة 8.3% مقارنة بشهر سبتمبر 2024 لتصل إلى 328.6 مليار دولار، وفق بيانات الجمارك الصينية الصادرة الاثنين. الرقم فاق كل التوقعات التي رجّحت نموًا لا يتجاوز 6.6%، ما اعتُبر دليلًا على صلابة الاقتصاد الصيني وقدرته على الصمود أمام الحرب التجارية المتجددة مع الولايات المتحدة.
ورغم أن الصادرات إلى السوق الأميركية تراجعت بنسبة 27% في سبتمبر — في سادس شهر متتالٍ من الانخفاض — فإن الأسواق الأخرى عوّضت هذا التراجع وأكثر. فقد قفزت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بأكثر من 14% لتسجّل أعلى مستوى منذ أكثر من ثلاث سنوات، وارتفعت الصادرات إلى دول جنوب شرق آسيا بنحو 16%. هذه الزيادة الواسعة في الأسواق البديلة منحت بكين دفعة قوية في مواجهة الضغوط الأميركية، وأضعفت مفعول تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لوّح مجددًا بفرض رسوم جمركية أعلى على البضائع الصينية.
الاقتصادية ميشيل لام من بنك سوسيته جنرال قالت إن «الصادرات الصينية ما زالت قوية رغم الرسوم الأميركية بفضل تنوّع الأسواق وتنافسية الأسعار»، مشيرة إلى أن تأثير الرسوم على مجمل التجارة الصينية كان محدودًا، وهو ما شجّع بكين على اتباع نهج أكثر صلابة في المفاوضات التجارية مع واشنطن. وأضافت أن قوة الطلب من خارج الولايات المتحدة تقلل من اعتماد الشركات الصينية على السوق الأميركية، وتساعد الاقتصاد الصيني على تعويض ضعف الطلب الداخلي في ظل استمرار الانكماش السعري (الانكماش التضخمي) وتراجع سوق العقارات.
وتتوقع الصين نشر بيانات النمو للربع الثالث في 20 أكتوبر، ويتوقع معظم المحللين تباطؤًا طفيفًا مقارنة بالنصف الأول من العام، إلا أن الأداء القوي في أول نصفين من 2025 يجعل بكين قريبة من تحقيق هدفها الرسمي للنمو البالغ نحو 5%.

في المقابل، لم يكن ارتفاع الصادرات وحده لافتًا، إذ أظهرت البيانات أيضًا أن الواردات الصينية ارتفعت بنسبة 7.4% متجاوزة التوقعات، ما أدى إلى فائض تجاري ضخم بلغ 90.5 مليار دولار. ورغم أن الصين خفّضت مشترياتها من السلع الأميركية — مثل فول الصويا — إلا أن فائضها التجاري مع الولايات المتحدة ازداد قليلًا في سبتمبر ليقترب من 23 مليار دولار. أما الفائض مع الاتحاد الأوروبي فقد بلغ المستوى نفسه تقريبًا، وهو الأدنى منذ مارس.
وفي خطوة فُسرت على أنها رد مباشر على تشدد واشنطن، أعلنت بكين مؤخرًا قيودًا جديدة على تصدير المواد النادرة ومنتجات تحتوي على آثار من هذه المعادن، ما أثار غضب ترامب الذي هدّد بإلغاء لقائه المرتقب مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهو أول لقاء بينهما منذ ست سنوات. وردًا على هذه الإجراءات، أعلن ترامب أنه يدرس فرض رسوم إضافية بنسبة 100% على البضائع الصينية وقيودًا واسعة على تصدير «البرمجيات الحساسة». لكن البيت الأبيض عاد لاحقًا ليشير إلى استعداده للتوصل إلى صفقة تجارية تخفف من حدّة التوترات، مع التحذير من أن القيود الصينية الجديدة قد تشكّل عقبة أمام أي اتفاق محتمل.
وبحسب تقديرات “بلومبرغ إيكونوميكس”، فإن فرض رسوم بنسبة 100% سيجعل متوسط التعرفة الجمركية الأميركية على السلع الصينية يصل إلى نحو 140%، وهي نسبة كفيلة بشلّ حركة التجارة تقريبًا. إلا أن محللين يؤكدون أن هيمنة الصين على الإنتاج العالمي، من البطاريات إلى السيارات الكهربائية والسفن، تمنحها قدرة على امتصاص الضغوط الأميركية وإعادة توجيه بضائعها إلى أسواق بديلة دون أن تتأثر صادراتها الكلية بشكل كبير.
وتشير البيانات إلى أن إفريقيا أصبحت من أبرز وجهات الصادرات الصينية الجديدة، إذ قفزت المبيعات إليها بنسبة 56% في سبتمبر، وهو أسرع معدل نمو منذ فبراير 2021. كما ارتفعت الصادرات إلى أميركا اللاتينية بنسبة 15.2% بعد فترة من التراجع في الصيف. كذلك سجّلت فيتنام زيادة تقارب 25%، ما جعلها مركزًا رئيسيًا لإعادة تصدير البضائع الصينية إلى الولايات المتحدة عبر طرق غير مباشرة، وهي استراتيجية باتت أداة فعالة لتقليل أثر الرسوم الأميركية.
ويرى الخبير الاقتصادي لين سونغ من بنك ING أن نجاح الصين في الحفاظ على نمو صادراتها رغم الحرب التجارية يبرهن على أنها لا ترغب في التصعيد لكنها مستعدة للرد عند الحاجة. وأضاف أن هذا الصمود سيقوّي موقفها التفاوضي في الجولة الجديدة من المحادثات التجارية المقررة في نوفمبر بفرانكفورت، قبل انتهاء مهلة التهدئة الحالية في العاشر من الشهر نفسه.
مقالات ذات صلة: الذهب يحطم الأرقام القياسية: طريقة الاستثمار، المخاطر، والتوقعات











