
على عكس التوقعات المتشائمة التي سادت في السنوات الأخيرة، تتجه الصورة العالمية الجديدة إلى أن الذكاء الاصطناعي لن يقضي على الوظائف، بل سيخلق عدداً أكبر منها. وقد لخّص الرئيس التنفيذي لشركة وولمارت، دوغ ماكميلان، هذه الفكرة خلال مؤتمر في أركنساس، قائلاً إن الذكاء الاصطناعي سيغيّر كل وظيفة في العالم تقريباً، مضيفاً أن بعض المهن ستختفي وأخرى ستُخلق، ولا يكاد يوجد عمل واحد لن يتأثر بهذا التغيير.
وبحسب جوش بيرسن، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الأبحاث The Josh Bersin Company، فإن الذكاء الاصطناعي ليس خصماً للبشر بل محفّز لطاقاتهم. وأوضح أن أدوات الذكاء الاصطناعي ستحرر الإبداع الإنساني وتدفع عجلة النمو والابتكار، مضيفاً أن السوق لم يشهد تراجعاً في الوظائف المكتبية، بل مجرد تباطؤ في التوظيف بسبب إعادة هيكلة الوظائف لتتلاءم مع واقع الأتمتة. وأشار إلى أن أغلب أنظمة الذكاء الاصطناعي لم تُدمج بعد في بيئات العمل بصورة كاملة، ولا تستطيع حتى الآن أداء مهام معقدة دون إشراف بشري، لذلك لا تزال مرحلة “الإحلال الكامل” بعيدة.
بيرسن أكّد أن كل أداة ذكاء اصطناعي تُطرح في السوق تولّد معها وظائف جديدة. وقال إن أكثر من أربعة آلاف شخص استخدموا وكيل الذكاء الاصطناعي الذي طوّرته شركته، وكل واحد من المستخدمين بدأ القيام بمهام جديدة، مثل تحليل البيانات أو تحسين العمليات. فالذكاء الاصطناعي لا يلغي العمل بل ينقل الإنسان إلى مستوى تفكير أعلى بحسبه، وهو ما سيستمر، على حد قوله، “إلى الأبد”. وأضاف أن الذكاء الاصطناعي رغم قدراته المذهلة ليس ذكياً حقاً، فهو مجرد محرّك تحليلي قوي، يفتقر إلى التعاطف والطموح والإبداع والحدس، وهذه صفات بشرية خالصة. وسأل بيرسن ساخراً: “لو كان الذكاء الاصطناعي بهذه العبقرية، فلماذا لا يؤسس شركة خاصة به؟”.

المنتدى الاقتصادي العالمي دعم هذه الرؤية بأرقام جديدة، إذ توقع أن تختفي 92 مليون وظيفة في السنوات الخمس المقبلة، لكنها ستُستبدل بـ170 مليون وظيفة جديدة. ورغم أن الزيادة العددية الأكبر ستكون في المهن اليدوية مثل الزراعة والبناء والنقل والصناعات الغذائية، وفي مجالات الرعاية الصحية والتعليم، فإن أعلى معدلات النمو النسبي (بالنسبة المئوية لا العددية) ستسجَّل في المهن التقنية التي يُعتقد أنها مهددة بالذكاء الاصطناعي نفسه، مثل تحليل البيانات الضخمة، وهندسة الفنتك (التقنية المالية)، وتطوير البرمجيات، وخبراء الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة. أما المهن التي ستتراجع فعلاً فهي الوظائف الإدارية والروتينية، مثل الكتبة والمساعدين الإداريين وعمال البريد والموظفين المصرفيين.
وبحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، 39% من مهارات الموظفين ستخضع لتحول أو تصبح غير ذات صلة بحلول نهاية العقد، وهو تراجع كبير مقارنة بتقديرات عام 2020 التي بلغت 57%. السبب وراء هذا التحسن، كما جاء في التقرير الصادر في يناير الماضي، هو أن نسبة العاملين الذين خضعوا لإعادة تدريب أو تطوير مهارات ارتفعت من 41% في عام 2023 إلى 50% في العام الحالي.
وفي السياق ذاته، قال محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي إن الذكاء الاصطناعي هو “المرشح الأبرز ليقود دورة الابتكار الكبرى المقبلة”، مؤكداً أنه لن يستبدل البشر، بل سيتطلب استثمارات ضخمة في تدريبهم وتعليم الأجيال الجديدة كيفية استخدام هذه التقنية.
مقالات ذات صلة: “العبقري” الذي قال لا لـ1.5 مليار دولار من Meta… غيّر رأيه











