/
/
نهاية الحرب ليست سوى البداية: 52 مليار دولار تكلفة إعادة الإعمار.. وإزالة 50 مليون طن من الأنقاض قد يحتاج 20 عامًا

نهاية الحرب ليست سوى البداية: 52 مليار دولار تكلفة إعادة الإعمار.. وإزالة 50 مليون طن من الأنقاض قد يحتاج 20 عامًا

أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
1024px Gaza war 2023 2025 IMG 3929
دمرت الحرب 80% من البنية التحتية وخلفت 50 مليون طن من الأنقاض. الصورة: ويكيميديا

بعد عامين من الحرب المدمّرة على قطاع غزة، تتكشف أبعاد الكارثة بأرقام غير مسبوقة في التاريخ الحديث. فوفق تقديرات الأمم المتحدة، يحتاج القطاع إلى 52 مليار دولار لبدء عملية إعادة الإعمار، بعدما دُمّر 80% من بنيته التحتية بالكامل، فيما تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن القطاع الصحي وحده يتطلب أكثر من 7 مليارات دولار لإعادة تأهيله واستعادة قدرته على العمل.

المرحلة الأولى من أي عملية إعمار ستكون إزالة الركام، وهي مهمة ضخمة ومعقدة نظرًا لأن الحرب خلّفت ما يزيد على 50 مليون طن من الأنقاض، وقد تستغرق إزالتها نحو عشرين عامًا وفق تقديرات الأمم المتحدة. إزالة هذا الركام شرط أساسي قبل البدء بأي عملية بناء، إذ تغطي الأنقاض معظم المناطق السكنية والمرافق العامة في شمال ووسط القطاع، وتعيق وصول المعدات والمساعدات.

التدمير لم يقتصر على المباني فحسب، بل شمل كل جوانب الحياة. فشبكات الكهرباء دُمّرت بشكل شبه كامل، ومحطات التوليد خرجت عن الخدمة، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن أكثر من مليوني شخص. وتقدّر سلطة الطاقة الفلسطينية خسائر قطاع الكهرباء المباشرة وغير المباشرة منذ بداية الحرب بأكثر من 750 مليون دولار، نتيجة الاستهداف المتكرر لشبكات التوزيع وأنظمة الطاقة الشمسية ومنع دخول الوقود اللازم لتشغيل المحطات.

حرب طالت كل القطاعات: من الصحة إلى الاقتصاد

أزمة الكهرباء انعكست على جميع القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها القطاع الصحي الذي واجه انهيارًا شبه كامل. فقد تعطلت المستشفيات وغرف العمليات وأجهزة العناية المركزة، وتلفت الأدوية الحساسة بسبب غياب التبريد، ما فاقم معاناة آلاف المرضى والجرحى. وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن إعادة بناء النظام الصحي، الذي قد يُكلّف 7 مليارات دولار، ضرورة عاجلة ليس فقط لإنقاذ الأرواح، بل لاستعادة الكرامة والاستقرار والأمل في المستقبل. وتوضح أن إعادة التشغيل الفوري للمستشفيات ومراكز علاج الأطفال من سوء التغذية سيكون الخطوة الأولى، يليها إصلاح شبكات المياه والصرف الصحي التي تُعدّ الأساس في الصحة العامة.

لكن إعادة بناء النظام الصحي ليست سوى جزء من معركة أوسع. فالحرب دمّرت القطاع الزراعي بالكامل، ما جعل نحو 96% من سكان غزة يواجهون انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي. ومع توقف الزراعة وفقدان مصادر الدخل، لم يعد معظم السكان قادرين على شراء الطعام حتى إن توفّر. لذلك سيبقى الاعتماد على المساعدات الغذائية الدولية ضرورة لفترة طويلة، إلى أن تتمكن غزة من إعادة تشغيل قطاعها الإنتاجي. ولا يقتصر التحدي في هذا الجانب على إدخال المساعدات بل أيضًا توزيعها بعدالة وضمان وصولها إلى جميع الأسر عبر رقابة صارمة وآلية توزيع شفافة.

1024px مستشفى الشفاء في غزة بعد القصف، 2025، J.B20241221 7938.MP4.22 27 32 15.Still001
الدمار الناجم عن آلة الحرب الإسرائيلية في مستشفى الشفاء. القطاع الصحي يحتاج 7 مليار دولار لإعادة إعماره. الصورة: ويكيميديا

الوضع الإنساني لا يقل مأساوية. فقد شُرّد 1.9 مليون شخص من منازلهم منذ أكتوبر 2023، بينما نزح نحو 390 ألفًا خلال الأسابيع الأخيرة وحدها نتيجة تجدد العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة غزة. وتشير الأمم المتحدة إلى أن إعادة إعمار غزة قد تستغرق ما بين 16 إلى أكثر من 80 عامًا، وفقًا لسرعة التنفيذ وتوفر التمويل والمواد.

في ظل هذا الدمار، تطالب الأمم المتحدة بأن تخصص كل محافظة في غزة أراضيَ فارغة لإقامة مساكن مؤقتة مجهزة ببنية تحتية كاملة، تشمل أنظمة صرف صحي ومياه ومنازل حاويات متنقلة، لتأمين سكن لائق للنازحين وحماية الأطفال من البرد والحر والظروف غير الصحية.

خطط إعادة الإعمار يلفّها الضباب

الجانب السياسي يزيد الأمور تعقيدًا. فبحسب تقارير دولية، فإن الولايات المتحدة تضع خططًا لإعادة إعمار غزة ضمن تسوية سياسية أوسع، لكن تفاصيلها لا تزال غامضة. ويخشى خبراء من أن تتحول مشاريع الإعمار إلى نموذج جديد من “رأسمالية الكوارث”، بحيث تستفيد منها نخب اقتصادية وسياسية محدودة على حساب المجتمع المحلي، كما حدث في تجارب مشابهة بالعراق ولبنان.

إلى جانب ذلك، تواجه جهود الإعمار شكوكًا من الدول المانحة التي ترفض تكرار ما حدث سابقًا حين دُمّر ما أُعيد بناؤه بعد كل حرب. هذه الدول تطالب بضمانات حقيقية تمنع تجدد الدمار، وتربط التمويل بوجود سلطة مدنية فلسطينية قادرة على إدارة القطاع بشكل مستقر وشفاف.

وعلى المدى البعيد، تواجه غزة تحديًا بنيويًا يتمثل في النزيف البشري، إذ غادرها أكثر من 100 ألف شخص من الكفاءات والمهنيين خلال العامين الأخيرين، ما يضعف قدرتها على التعافي الذاتي ويهدد بفقدان العقول والخبرات اللازمة لعملية البناء. هذا النزوح المستمر يقوّض النسيج الاقتصادي والاجتماعي للقطاع، ويجعل أي خطة إعمار غير مكتملة من دون استراتيجية لإعادة الكفاءات وتدريب جيل جديد من المهندسين والأطباء والعمال المهرة.

مقالات ذات صلة: 70 مليار دولار احترقت: كيف تحوّل اقتصاد غزة إلى أطلال بعد عامين من الحرب؟

مقالات مختارة