في الوقت الذي يشهد فيه سوق العقارات في البلاد تباطؤًا في المبيعات وانخفاضًا في الأسعار، تدفقت خلال الربع الثاني من عام 2025 قروض جديدة بقيمة غير مسبوقة بلغت 60 مليار شيكل نحو هذا القطاع، معظمها من البنوك، في خطوة يعتبرها خبراء الاقتصاد مخاطرة كبيرة قد تتحول إلى “قنبلة موقوتة” إذا استمر الاتجاه الحالي.

ارتفاع القروض رغم تزايد المخاطر
أظهر تقرير أعدّه ألكس زبجينسكي، وهو كبير الاقتصاديين في بيت الاستثمار “ميطاف”، أن المخاطر في قطاع العقارات في البلاد تتصاعد من جهتين: الأولى هي تضخم حجم القروض الممنوحة لشركات وجهات هذا القطاع، والثانية هي التراجع في الأداء الاقتصادي داخل السوق نفسه، سواء من حيث حجم المبيعات أو أسعار الشقق. هذا الوضع قد ينعكس سلبًا على الشركات العقارية والممولين، وكذلك على المقترضين الأفراد الذين يحملون عبء المشكنتا.
وبحسب بيانات التقرير، بلغ الحجم الصافي للقروض الجديدة الممنوحة للقطاع التجاري في الربع الثاني من 2025 نحو 60 مليار شيكل، كان معظمها موجهًا لسوق العقارات، وهو رقم قياسي لم يسبق له مثيل. للمقارنة، بلغ حجم القروض في الربع الأول من العام 16 مليار شيكل فقط، وفي الربع الأخير من 2024 نحو 20 مليار شيكل. تقريبًا كل هذا التمويل جاء من البنوك، التي تواصل ضخ السيولة رغم الإشارات التحذيرية في السوق.
الزيادة تركزت في قطاعي العقارات والخدمات المالية، لكن زبجينسكي يشير إلى أن جزءًا كبيرًا من هذه القروض في قطاع الخدمات المالية وُجّه فعليًا إلى شركات الائتمان غير المصرفية، التي يُشكِّل زبائنها الأساسيون شركات تعمل في مجال العقارات.
خطر غير مسبوق يحيق بالمشكنتا
في الوقت الذي يرتفع فيه حجم القروض، يزداد الخطر أيضًا على مشتري الشقق. فوفقًا للبيانات، وصلت نسبة المشكنتا التي مُنحت في أغسطس بمعدل تمويل LTV (Loan to Value) يتجاوز 60% من قيمة الشقة إلى نحو 47.5%، وهو أعلى مستوى يُسجَّل حتى الآن. وتشير نسبة الـLTV إلى العلاقة بين حجم القرض وسعر الشقة، أي كم يمول البنك من قيمتها وكم يضع المشتري من ماله الخاص. فعندما تكون النسبة مرتفعة، فهذا يعني أن المشترين يعتمدون أكثر على القروض وأقل على أموالهم هم، وهو ما يجعل السوق أكثر عرضة للمخاطر إذا تراجعت الأسعار أو ارتفعت الفائدة.
كما ارتفعت نسبة القسط الشهري في المشكنتا الجديدة لتقترب من 30% من صافي دخل المقترضين، بزيادة قدرها 1% عن 2024، و3.5% مقارنة بعام 2021، وهي أعلى نسبة خلال العقد الأخير.
أما الديون المتأخرة في سداد المشكنتا فقد وصلت في أغسطس إلى 4 مليارات شيكل، ما يعكس ضغوطًا متزايدة على المقترضين. ويحذر زبجينسكي من أن معدلات التأخر في السداد مرشحة للارتفاع أكثر، خصوصًا مع اقتراب موعد سداد القروض من نوع “بولِت” Bullet و”بالون” Balloon، وهي قروض لا يُسدَّد فيها سوى الفائدة شهريًا بينما تُدفع قيمة القرض الأصلية أو الجزء الأكبر منه في نهاية المدة.
هذه القروض، التي استخدمها العديد من المقاولين في السنوات الأخيرة لجذب الزبائن، بلغت قيمتها الإجمالية نحو 30 مليار شيكل وتشكل حوالي 14% من المشكنتا الجديدة، مقارنة بمعدل تاريخي يبلغ 8% فقط. المشكلة أن كثيرًا من المقترضين من ذوي الدخل المنخفض نسبيًا، ما قد يجعلهم عاجزين عن السداد في المراحل القادمة.

تراجع المبيعات والأسعار
كل ذلك يحدث بينما تتراجع مبيعات الشقق بشكل مستمر. فبحسب أرقام وزارة المالية، ، انخفض إجمالي مبيعات الشقق في يوليو بنسبة 10% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، ويشمل ذلك كل الصفقات في السوق. لكن عندما ننظر فقط إلى صفقات المقاولين، أي الشركات التي تبني وتبيع الشقق الجديدة مباشرة للمشترين، نجد أن مبيعاتهم تراجعت بنسبة حادة بلغت 28%. أما في السوق الحرة — أي المبيعات التي تتم من دون دعم أو برامج حكومية — فقد كان التراجع أكبر ووصل إلى نحو 34%.
من أبريل حتى يوليو لم تتجاوز مبيعات المقاولين في السوق الحرة 2000 شقة شهريًا، وهو رقم متدنٍ تاريخيًا، إذ لم يشهد العام 2024 مثل هذا المستوى سوى في أكتوبر الذي صادف الأعياد اليهودية.
كما أظهر مؤشر أسعار الشقق الذي نشره مكتب الإحصاء المركزي انخفاضًا للشهر الخامس على التوالي، مسجلًا تراجعًا تراكميًا بنسبة 1.5% منذ فبراير، مع تقديرات تفيد بأن الانخفاض الحقيقي أكبر من ذلك.
ضغوط على المقاولين ومخاوف من الانفجار
يقول زبجينسكي في حديثه مع كالكاليست، إن الانخفاض المستمر في المبيعات والأسعار يؤدي إلى تآكل أرباح المقاولين الذين يواصلون البناء رغم تراجع الإيرادات، ما يجبرهم على الاعتماد أكثر على القروض البنكية، بينما تتزايد تكاليف هذا التمويل مع الوقت،مقلصًا هوامش ربحهم بشكل خطير.
ويرى زبجينسكي أن البنوك والمؤسسات الممولة تحاول “كسب الوقت” على أمل أن تتحسن الظروف وتتعافى السوق، لكنها بذلك تؤجل المشكلة أكثر مما تحلها. ويضيف أن أي تدهور إضافي في السوق قد يجعل هذه الجهات عاجزة عن الاستمرار في سياسة الإقراض الحالية، ما سيضرب المقاولين الصغار تحديدًا، الذين يفتقرون إلى الاحتياطات المالية الكافية للصمود.
ورغم أن زبجينسكي يقلل من احتمال أزمة كبرى في سوق المشكنتا طالما لم ترتفع البطالة، إلا أنه يحذر من أن استمرار الاتجاه الحالي، حيث تتضخم القروض بينما تتراجع الأسعار والمبيعات، يجعل السوق العقارية تقف على حافة خطر حقيقي، أشبه بفقاعة تنتظر شرارة الانفجار.
مقالات ذات صلة: “وظيفتي تحويل حلم شراء أو بناء البيت إلى واقع قابل للتحقيق”











