أطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية واحدة من أضخم حملاتها الإعلامية في الولايات المتحدة منذ بداية الحرب على غزة، في محاولة لتغيير صورة إسرائيل في نظر الجيل الأميركي الشاب المعروف باسم “جيل زد”. ووفقًا لتقرير نشره موقع واي نت، خصصت إسرائيل لهذه الحملة ميزانية ضخمة تبلغ نحو نصف مليار شيكل، أي ما يعادل 145 مليون دولار، في ما وصفه التقرير بأنه “أكبر تحرك في مجال الدبلوماسية العامة الإسرائيلية منذ سنوات طويلة”.
تهدف الحملة إلى الوصول إلى فئة الشباب الأميركي المولودين بين عامي 1997 و2012، الفئة التي تُظهر استطلاعات الرأي أنها الأقل دعمًا لإسرائيل. وتتركز الحملة على المحتوى الرقمي والتفاعل عبر منصات التواصل الاجتماعي الأكثر استخدامًا بين الشباب مثل تيك توك، إنستغرام، يوتيوب، والبودكاست. ووفقًا للمخطط الإسرائيلي، أكثر من 80% من المحتوى المُنتج سيوجه خصيصًا لجيل زد، عبر حملات إعلانية ضخمة وتعاون مع مؤثرين أميركيين مؤيدين لإسرائيل.

شركة من حملة ترامب في صدارة المشروع
الوثائق المقدّمة إلى وزارة العدل الأميركية بموجب قانون تسجيل العملاء الأجانب (FARA) تكشف أن إسرائيل تعاقدت مع شركة أميركية تُدعى Clock Tower، يقودها براد بارسكيل، المدير السابق لحملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانتخابية. يشغل بارسكيل اليوم منصبًا رفيعًا في مجموعة إعلامية محافظة تُعرف باسم Salem Media، وهي شبكة مسيحية تمتلك محطات إذاعية في مختلف الولايات الأميركية. ووفق التقرير، تُنفذ الحملة الجديدة بالتعاون مع وكالة هافاس ميديا، عبر مكتب الإعلانات الحكومي الإسرائيلي، مع هدف واضح يتمثل في الوصول إلى 50 مليون مشاهدة شهرية للمحتوى المؤيد لإسرائيل.
يأتي هذا الجهد المكثف في وقتٍ أظهرت فيه استطلاعات رأي حديثة تراجعًا حادًا في التعاطف مع إسرائيل داخل المجتمع الأميركي، خصوصًا بين الشباب. فاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب في يوليو الماضي أشار إلى أن 9% فقط من الأميركيين بين 18 و34 عامًا يدعمون العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. كما أظهر استطلاع أجرته وزارة الخارجية الإسرائيلية نفسها أن 47% من الأميركيين يعتقدون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، وهو ما دفع تل أبيب إلى التحرك إعلاميًا على نطاق غير مسبوق.
التسلل إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي
أحد أكثر عناصر الحملة إثارة للجدل يتمثل في السعي للتأثير على أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT وGemini وGrok. وفق التقرير، تخطط شركة “كلوك تاور” لإنشاء مواقع إلكترونية ومحتوى مصمم خصيصًا للتأثير على البيانات التي تُستخدم لتدريب هذه الأنظمة، بحيث تميل استجاباتها مستقبلًا إلى تأطير القضايا المرتبطة بإسرائيل بطريقة أكثر إيجابية.
هذه العملية تُعرف باسم تحسين محركات الذكاء التوليدي (GEO)، وهي امتداد لمفهوم تحسين محركات البحث التقليدية (SEO)، لكن الهدف هنا ليس ترتيب المواقع في غوغل، بل توجيه مصادر التدريب التي تعتمد عليها أنظمة الذكاء الاصطناعي في بناء استجاباتها. يوضح غادي إفرون، الرئيس التنفيذي لشركة الأمن السيبراني الإسرائيلية “نوستيك”، أن “GEO تشبه SEO في رسم خرائط التأثير، لكنها تركز على مصادر المعرفة التي تُشكل وعي الذكاء الاصطناعي نفسه”.
ويضيف إفرون أن هذا المجال ما زال في بداياته، لكنه يحمل تأثيرًا عميقًا على الطريقة التي سيتفاعل بها الذكاء الاصطناعي مع المستخدمين في المستقبل، قائلاً: “إنه مجال جديد يُطلق عليه البعض اسم GEO لذكاء الجيل القادم، والمصطلحات القانونية حوله ما زالت تتطور”.
مشروع “إستير”: المؤثرون كذراع إعلامية
إلى جانب هذه الحملة التقنية، أطلقت الحكومة الإسرائيلية مشروعًا آخر باسم “مشروع إستير”، يهدف إلى تمويل مؤثرين أميركيين ينشرون محتوى مؤيدًا لإسرائيل على منصاتهم. يتضمن المشروع اتفاقيات تصل قيمتها إلى 900 ألف دولار مع شركة أميركية تُدعى Bridges Partners أسسها إسرائيليون، وتشمل المرحلة الأولى تجنيد 5 إلى 6 مؤثرين يُطلب من كل منهم نشر 25 إلى 30 منشورًا شهريًا. ويتلقى هؤلاء المؤثرون مبالغ تتراوح بين عشرات ومئات آلاف الدولارات مقابل نشاطهم الرقمي، على أن تتوسع المبادرة لاحقًا لتشمل مؤثرين إسرائيليين وشركات أميركية إضافية.
وفي السابق، كانت إسرائيل قد تعاونت مع شركة علاقات عامة أميركية مقربة من الحزب الديمقراطي لإدارة ما وُصف بـ“مزرعة بوتات رقمية” لترويج روايات مؤيدة لإسرائيل على الإنترنت، قبل أن تُنهي العقد في ظروف غامضة.

نتنياهو: “الجبهة الثامنة” هي الإعلام
تُوجت هذه الجهود الإعلامية بلقاء عقده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع مجموعة من المؤثرين المؤيدين لإسرائيل في القنصلية الإسرائيلية بنيويورك. خلال اللقاء، وصف نتنياهو شبكات التواصل الاجتماعي بأنها “الجبهة الثامنة” في الحرب، مؤكدًا أن “السلاح الأهم اليوم هو وسائل التواصل الاجتماعي”.
وأضاف نتنياهو أن إسرائيل تحتاج إلى التعاون مع شخصيات مؤثرة في عالم التكنولوجيا مثل الملياردير إيلون ماسك، والاستثمار في منصات مثل تيك توك، من أجل “ضمان النصر في الساحة الأهم: ساحة الوعي”.
مقالات ذات صلة: بميزانية 175 مليون شيكل: إسرائيل تبدأ حملة “بروباغندا” ضخمة على غوغل ويوتيوب لتبييض صورتها











