
بعد عامين من الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، لم يسلم الاقتصاد الفلسطيني من نيران الحرب التي اشتعلت في مفاصله. فالتقارير الاقتصادية تصف دماراً هائلاً غير مسبوق، إذ بلغت خسائره في غزة وحدها نحو 70 مليار دولار موزعة على 15 قطاعاً حيوياً، بينما لم تسلم الضفة الغربية من التدهور، إذ تعيش شللاً مالياً وتجارياً خانقاً بسبب سياسات الاحتلال وتجميد أموال المقاصة.
يقول إسماعيل الثوابتة، مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في حديثه مع الجزيرة نت، إن هذه الخسائر الهائلة لا تشمل سوى الأضرار المباشرة، دون احتساب التبعات غير المباشرة الناتجة عن توقف الإنتاج وهجرة الكفاءات وانهيار الصادرات. ويضيف أن القطاع الإسكاني وحده فقد ما يقرب من 268 ألف وحدة سكنية دُمّرت كلياً أو جزئياً، ما يعادل خسائر بقيمة 28 مليار دولار، وهو ما تسبب في نزوح واسع وفقدان آلاف العائلات لممتلكاتها.
أما القطاعات المنتجة فكانت ضحية أخرى لهذا الدمار الشامل. إذ بلغت الخسائر الصناعية وحدها نحو 4 مليارات دولار، بينما وصلت خسائر قطاع التجارة والخدمات إلى 4.3 مليارات، والزراعة إلى 2.8 مليار دولار. هذه الأرقام تكشف حجم الانهيار في سلاسل الإمداد والإنتاج داخل غزة، حيث توقفت المصانع، وتعطلت الأسواق، وفقدت الأراضي الزراعية قدرتها على الإنتاج بسبب القصف المتكرر وغياب الوقود والمواد الخام.
ولم تسلم البنى التحتية من هذا الدمار. فشبكات الكهرباء التي كانت تمتد لأكثر من 5000 كيلومتر خرجت عن الخدمة تقريباً بعد تدمير 2285 محول توزيع، ما أدى إلى خسائر تقدر بـ1.4 مليار دولار وحرمان القطاع من أكثر من ألفي مليار كيلوواط/ساعة من الطاقة. كما تم تدمير 725 بئراً مركزياً للمياه و134 مشروعاً للمياه العذبة، إضافة إلى تلف نحو 1.4 مليون متر من شبكات المياه والصرف الصحي.
وفي قطاع النقل، تم تدمير 3 ملايين متر من الطرق والشوارع، فضلاً عن آلاف المركبات، لتصل الخسائر إلى نحو 2.8 مليار دولار. أما البلديات ومرافق الخدمات العامة فقد تكبدت خسائر تقدر بستة مليارات دولار، بعد تدمير 244 مقراً حكومياً وقرابة 300 منشأة تعليمية ورياضية.
وعودة إلى الأضرار التجارية، تضررت آلاف المحال والأسواق والبنوك ومحلات الصرافة بشكل مباشر، ما أدى إلى خسائر تقدر بـ4.3 مليارات دولار وانهيار شبه كامل في دورة التموين والتخزين. كما تعطلت أنظمة المدفوعات المالية والبنوك، ما جعل الحصول على الأموال أو إجراء التحويلات مهمة شبه مستحيلة، وانهارت الدورة النقدية نتيجة توقف الضرائب والخدمات الحكومية.
ويقول الدكتور نصر عبد الكريم، أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح، في حديثه مع الجزيرة نت، إن ما بقي من اقتصاد غزة لا يتجاوز عشرة بالمئة من قدرته السابقة، بعد أن تضرر بنسبة تتراوح بين 90 إلى 95%. ويؤكد أن إعادة الإعمار ممكنة لكنها مشروطة بانسحاب الجيش الإسرائيلي، وفتح المعابر، وتوفير تمويل كافٍ، ووجود إدارة موحدة بين غزة والضفة، إلى جانب اتفاق سياسي يمنح الفلسطينيين الحق في تقرير مصيرهم.

الضفة الغربية في مهب الحرب أيضًا
أما الضفة الغربية، فقد تضررت بدورها من تداعيات الحرب. فالإجراءات الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر أدت إلى شلل اقتصادي شامل، أبرز مظاهره تجميد أموال المقاصة التي تعتمد عليها السلطة الفلسطينية لتغطية رواتب الموظفين وتمويل الخدمات. كما خسر الاقتصاد نحو 400 مليون دولار سنوياً بعد منع دخول أكثر من 180 ألف عامل فلسطيني كانوا يعملون في إسرائيل، إذ انخفض العدد إلى ما بين 15 و20 ألفاً فقط، معظمهم يعملون دون تراخيص رسمية.
قبل الحرب، كانت إسرائيل تخصم شهرياً نحو 170 مليون شيكل من المقاصة مقابل خدمات الكهرباء والصرف الصحي ومخصصات الأسرى، لكن كانت تبقي ما بين 700 إلى 800 مليون شيكل شهرياً تُستخدم في تغطية الميزانية التشغيلية للسلطة. أما منذ مايو، فقد انقطعت التحويلات كلياً، ما أدخل الاقتصاد في حالة جمود حاد، ورفع مستويات الفقر والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة.
نصبت إسرائيل أيضاً أكثر من ألف حاجز عسكري في أنحاء الضفة، ما حوّل مدنها إلى جزر معزولة ورفع تكاليف نقل البضائع إلى مستويات قياسية، فيما تضررت التجارة مع الأردن بسبب إغلاق المعبر الحدودي.
كذلك، لا تسلم القرى والمدن الفلسطينية من اعتداءات المستوطنين، على الأراضي الزراعية والممتلكات والسيارات، التي تشمل اقتلاع أشجار الزيتون، ومنع المواطنين من الوصول إلى أراضيهم في المواسم الزراعية، وحرق البيوت والسيارات. وأفاد تقرير لوزارة الاقتصاد الفلسطينية في يونيو من هذا العام، أنّ 19% من من المنشآت الاقتصادية في شمال الضفة تعرضت لأضرار مادية مباشرة، سواء في الأصول الثابتة أو البضائع، بسبب اعتداءات المستوطنين المتفاقمة في الضفة الغربية.
مقالات ذات صلة: بين وعود واشنطن وحصار تل أبيب.. اقتصاد الضفة الغربية على حافة الانهيار











