يبدو احتمال نهاية الحرب في غزة هذه المرة أكثر جدية من أي وقت مضى، وهو ما قد يشكّل نقطة تحوّل كبرى للاقتصاد الذي تضرر بشدة خلال العامين الأخيرين. ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة واينت، يحلل السيناريوهات المحتملة بعد وقف الحرب، فإن صمت المدافع سيؤدي إلى إعادة الثقة إلى الأسواق المحلية ويطلق دورة جديدة من النمو الاقتصادي.

بورصل تل أبيب والشيكل
وبحسب التقرير، يتوقع أن يسود التفاؤل في سوق الأسهم فور الإعلان عن وقف الحرب، إذ إن بورصة تل أبيب التي حققت نتائج جيدة حتى خلال فترة الحرب قد تسجل ارتفاعات أكبر مع عودة الاستقرار. فالمستثمرون المحليون والأجانب يحتاجون إلى بيئة أكثر أمانًا، ومع زوال حالة الطوارئ يمكن أن تتجدد العلاقات التجارية وتُرفع المقاطعات المفروضة على شركات إسرائيلية، بما في ذلك في مجالات حساسة مثل الصناعات العسكرية والتكنولوجية.
أما الشيكل، فقد بدأ بالفعل في إظهار مؤشرات قوة، إذ انخفض سعر صرف الدولار مؤخرًا إلى نحو 3.29 شيكل، وهو أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات، وتراجع اليورو إلى نحو 3.87 شيكل. ومع عودة التداولات الرسمية، يتوقع التقرير أن يستمر الشيكل في الارتفاع، مدعومًا بتفاؤل الأسواق وانخفاض التوتر السياسي.
التصنيف الائتماني والإنفاق العسكري
في ما يتعلق بالتصنيف الائتماني، يشير التقرير إلى أن إنهاء الحرب سيمنع مؤسسات التصنيف العالمية مثل “موديز” من خفض جديد لتصنيف إسرائيل، وهو ما كان متوقعًا في ظل استمرار الحرب في غزة. هذه الخطوة ستمنح الحكومة الإسرائيلية متنفسًا ماليًا وتسمح لها بالحصول على قروض بشروط أفضل، في وقت تحتاج فيه إلى تمويل لإعادة بناء الاقتصاد.
الإنفاق العسكري، الذي بلغ حتى الآن نحو 330 مليار شيكل – أي أكثر من نصف الميزانية المعدّلة لعام 2025 البالغة 650 مليارًا – سيشهد تراجعًا كبيرًا في حال توقف الحرب. فاليوم الواحد من القتال كان يكلّف نحو نصف مليار شيكل، ومع وقف العمليات وخروج جنود الاحتياط من الخدمة يمكن أن تنخفض النفقات اليومية إلى النصف تقريبًا.
كما أن إنهاء الحرب سيتيح لوزارة المالية، بحسب تقرير واينت، رفض طلب الجيش بالحصول على تمويل إضافي يبلغ 20 مليار شيكل، وربما حتى التراجع عن تحويل 2 إلى 4 مليارات شيكل كان قد جرى الاتفاق عليها مبدئيًا ضمن ميزانية 2025. ويمكن لهذه الأموال التي سيتم توفيرها إعادة التوازن إلى الإنفاق العام وتقليص العجز المالي الذي ارتفع في الشهر الماضي إلى 5.2% مع توقعات ببلوغه 6% بنهاية 2025.
القطاع الخاص وفرض الضرائب
القطاع الخاص هو الآخر ينتظر الخلاص من تبعات الحرب، وسيعود آلاف العاملين الذين جرى استدعاؤهم للخدمة الاحتياطية إلى وظائفهم إن توقفت الحرب، ما سيعيد النشاط إلى المصانع والشركات التي تضررت من النقص في الأيدي العاملة. ومع تعافي السوق المحلي، يُتوقع خصول تحسن كبير في الاستهلاك والنمو.
على مستوى السياسة المالية، فإن تراجع العجز وانتهاء القتال سيعنيان، بحسب التقرير، تجميد الخطط الحكومية السابقة لفرض إجراءات تقشفية جديدة في مجالات التعليم والصحة والرفاه. بل يمكن أن تعود الحكومة إلى تنفيذ مشاريع البنى التحتية التي كانت معلقة، وربما تؤجل زيادة الضرائب التي كان يجري التحضير لها.

سعر الفائدة والاستثمارات الأجنبية
وفي ما يخص السياسة النقدية، من المرجح أن يقرر بنك إسرائيل خفض سعر الفائدة لأول مرة منذ 22 شهرًا، بنسبة ربع نقطة مئوية ليصل إلى 4.25%، مقتديًا بخطوات مشابهة في الولايات المتحدة. هذا القرار سيشجع القروض والاستثمارات ويخفف الضغط عن قطاع العقارات الذي عانى من ركود طويل.
وفي حال تحقق هذا السيناريو الإيجابي، فإن الاستثمارات الأجنبية التي جُمّدت أو أُجّلت ستعود تدريجيًا إلى البلاد. الحديث يدور عن مليارات الدولارات التي كانت بانتظار نهاية الحرب لتتدفق من جديد نحو قطاعات مثل الهايتك والدفاع. كذلك يتوقع أن تنتهي المقاطعات الاقتصادية والتجارية التي فرضتها بعض الدول والشركات، ما سيساهم في تعزيز الصادرات.
أخبرًا، وبحسب التقرير، فحتى لو تحقق جزء فقط من هذه التقديرات، فإن عام 2026 قد يشهد قفزة اقتصادية كبيرة في البلاد، إذ يمكن أن تعيد وزارة المالية وبنك إسرائيل النظر في توقعات النمو، مع احتمال تراجع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي بعد أن ارتفعت خلال فترة الحرب. لكن رغم هذا التفاؤل الرسمي، تبقى حقيقة أن أي انتعاش اقتصادي سيكون مرتبطًا بتطورات سياسية وأمنية معقدة في المنطقة، يصعب التكهن بها، وقد تعيد المشهد الاقتصادي إلى نقطة الصفر في حال تجدد الحرب، خاصة في ظلّ حكومة يمينية متطرفة، تتبع أهواءً مسيانية وعقيدة احتلالية.
مقالات ذات صلة: بين وعود واشنطن وحصار تل أبيب.. اقتصاد الضفة الغربية على حافة الانهيار











