/
/
تداعيات اقتصادية بمليارات الدولارات: كل ما تريد معرفته عن “إغلاق الحكومة الأمريكية”

تداعيات اقتصادية بمليارات الدولارات: كل ما تريد معرفته عن “إغلاق الحكومة الأمريكية”

أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
Design for website
مبنى الكونغرس. فشل الكونغرس في تمرير تشريع يمدد تمويل المؤسسات الحكومية

دخلت الولايات المتحدة فجر الأربعاء في حالة شلل فيدرالي كامل بعد فشل الكونغرس في تمرير تشريع يمدد تمويل المؤسسات الحكومية. هذا الإجراء، المعروف بالإغلاق الحكومي، يعني توقف الوزارات والوكالات الفيدرالية غير الأساسية عن العمل، وإجبار مئات آلاف الموظفين على الخروج في إجازات غير مدفوعة الأجر، مع بقاء بعض الخدمات الحيوية فقط قيد التشغيل. ورغم أن هذه الظاهرة ليست جديدة على النظام السياسي الأميركي، فإنها تأتي هذه المرة في سياق سياسي واقتصادي شديد الحساسية، ما يزيد من خطورتها.

الإغلاق الحكومي في النظام الأميركي هو نتيجة مباشرة لفشل المشرعين في التوافق على تشريع يقر المخصصات المالية. ووفقًا لقانون مكافحة العجز المالي لعام 1884، فإن الحكومة الفيدرالية ممنوعة من الإنفاق أو الدخول في عقود دون موافقة الكونغرس. ومنذ عام 1981 تكرر الإغلاق أكثر من 15 مرة، تراوحت فتراته بين ساعات قليلة وأيام عدة، بينما شهدت البلاد أطول إغلاق في تاريخها بين ديسمبر 2018 ويناير 2019 لمدة 35 يومًا.

المتضررون المباشرون من الإغلاق

بحسب مكتب الميزانية في الكونغرس، فإن نحو 750 ألف موظف فيدرالي سيتأثرون بشكل مباشر بالإغلاق الحالي، إذ سيخرجون في إجازة إجبارية غير مدفوعة الأجر، وهو ما يكلف الاقتصاد الأميركي حوالي 400 مليون دولار يوميًا على شكل أجور غير مصروفة. هؤلاء الموظفون يعملون في وزارات وهيئات مختلفة، من بينها وزارات العمل والتعليم والطاقة والبيئة، إضافة إلى مؤسسات بحثية وعلمية ستضطر إلى تعليق نشاطها بالكامل.

الخدمات الأساسية ستستمر ولكنها ستعمل تحت ضغط شديد، إذ سيواصل موظفو الأمن والمراقبة الجوية وأمن النقل وحرس الحدود والجيش عملهم، مع ضمان صرف أجورهم لاحقًا. في المقابل، ستتوقف إدارات أخرى مهمة مثل وزارة العمل عن نشر بياناتها الدورية، ومن أبرزها تقرير الوظائف الشهري لشهر سبتمبر، الذي يعد أداة محورية للمستثمرين والأسواق في تقييم قوة الاقتصاد الأميركي. كما سيتوقف عمل إدارة الغذاء والدواء في تحليل البيانات الصحية وإجراء اختبارات السلامة، ما قد يؤثر على قطاعات حيوية كالأدوية والأغذية.

الأسباب الكامنة وراء الأزمة

الخلاف الأساسي يتمحور حول تمويل حكومي قدره 1.7 تريليون دولار، وهو جزء من ميزانية فيدرالية سنوية تصل إلى 7 تريليونات دولار. يخصص هذا التمويل لتسيير أعمال الوكالات الحكومية، بينما يذهب الجزء الأكبر من الموازنة إلى برامج الرعاية الصحية والتقاعد وخدمة الدين العام الذي وصل إلى 37.5 تريليون دولار.

الديمقراطيون رفضوا تمرير التشريع المقترح من الجمهوريين ما لم يتضمن تمديد برامج الرعاية الصحية، وعلى رأسها قانون “أوباما كير”، إضافة إلى إلغاء التخفيضات المقترحة في برنامج “ميديكيد” المخصص للفئات الضعيفة وذوي الدخل المحدود. ويؤكد الديمقراطيون أن نحو 24 مليون أميركي سيواجهون ارتفاعًا كبيرًا في تكاليف التأمين الصحي إذا لم تُمدد هذه الإعفاءات الضريبية المؤقتة التي تنتهي بنهاية العام.

في المقابل، يصر الجمهوريون بقيادة الرئيس دونالد ترامب على تمرير قانون التمويل بشكله الحالي، معتبرين أن المشروع مبسط وخال من التعقيدات، وأن مطالب الديمقراطيين تمثل عائقًا أمام ضبط الإنفاق الفيدرالي. ترامب صعّد المواجهة مؤكدًا أنه سيستخدم فترة الإغلاق لفرض تغييرات جذرية في الجهاز الإداري، معلنًا عن خطط لتسريح نحو 300 ألف موظف فيدرالي بحلول ديسمبر، وهي خطوة وصفها بأنها “إجراءات لا رجعة فيها”.

1536px Closed lawn of National Mall with US Capitol in background Washington DC 2013 10 06
“بسبب إغلاق الحكومة الفيدرالية، كل الحدائق والمتنزهات الوطنية مغلقة”. الصورة: ويكيميديا

تمرير الميزانية وتناطح الحزبين

تمرير الميزانية في الولايات المتحدة يحتاج أولًا إلى أغلبية بسيطة في مجلس النواب، أي 218 صوتًا من أصل 435 عضوًا، وهو ما تم بسبب سيطرة الجمهوريين  الحالية على المجلس. لكن العقبة الأكبر تكمن في مجلس الشيوخ، حيث لا يكفي الحصول على أغلبية 51 صوتًا، بل يتطلب الأمر فعليًا 60 صوتًا لتجاوز ما يُعرف بـ”الفيليباستر” Filibuster. والفيليباستر هو إجراء برلماني يتيح لأعضاء المجلس إطالة النقاش إلى أجل غير محدود وتعطيل القوانين المهمة، كالميزانية، عبر منع التصويت عليها ما لم يحصل على تأييد 60 صوتًا. ورغم أن الجمهوريين هم الأغلبية في مجلس الشيوخ، فإنهم لا يملكون 60 مقعدًا، ما يجعلهم بحاجة إلى أصوات من الديمقراطيين لتمرير أي تشريع يتعلق بالميزانية وتفادي الإغلاق الحكومي.

منذ لحظة دخول الإغلاق حيز التنفيذ، تبادل الطرفان الاتهامات. الديمقراطيون حمّلوا ترامب والجمهوريين المسؤولية، متهمين إياهم بتقويض برامج الرعاية الصحية الأساسية لملايين الأميركيين. زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر شدد على أن أي حل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أولويات الحزبين، فيما أكد الديمقراطيون في مجلس النواب أن الجمهوريين يضحون بالاستقرار المالي والاجتماعي من أجل أجندة سياسية ضيقة.

أما ترامب، فقد اتهم خصومه الديمقراطيين بالتسبب في الإغلاق عمدًا، وقال في تصريحات من البيت الأبيض: “الكثير من الأمور الجيدة يمكن أن تنشأ عن الإغلاقات”، مشيرًا إلى أن الفرصة متاحة الآن لتقليص البرامج “الديمقراطية” والتخلص من المبادرات التي لا يرغب حزبه في استمرارها.

التداعيات الاقتصادية المتوقعة

الإغلاق الحكومي الحالي يهدد بخسائر اقتصادية بمليارات الدولارات إذا استمر لفترة طويلة. الإغلاق السابق في 2018-2019، فترة رئاسة ترمب الأولى، كلّف الاقتصاد الأميركي 11 مليار دولار، وفقد الناتج المحلي الإجمالي جزءًا ملموسًا من قيمته بسبب تعطيل الأنشطة الحكومية وتأخير الإنفاق. ومع التهديدات الحالية بتسريح مئات الآلاف من الموظفين، فإن التداعيات قد تكون أوسع وأعمق، تشمل سوق العمل وثقة المستثمرين والأسواق المالية.

الأسواق تتابع الموقف عن كثب، إذ أن تأخير نشر تقرير الوظائف لشهر سبتمبر سيحرم المستثمرين من مؤشر أساسي لتقييم الاقتصاد. كما أن تجميد بعض الاختبارات الصحية وتأخير صرف عقود حكومية لمشاريع البنية التحتية قد ينعكس سلبًا على شركات القطاع الخاص المتعاملة مع الحكومة.

خلفية تاريخية للمأزق المتكرر

تعود أولى حالات الإغلاق الحكومي بالمعنى الحديث إلى عام 1980 في عهد الرئيس جيمي كارتر، بعد تفسير متشدد لقانون مكافحة العجز. ومنذ ذلك الحين أصبح مبدأ “لا ميزانية، لا إنفاق” قاعدة سياسية في الولايات المتحدة. لكن الإغلاقات تحولت تدريجيًا إلى أداة سياسية يستخدمها كل طرف لفرض مطالبه على الآخر، ما جعلها سمة متكررة للنظام السياسي الأميركي على عكس أغلب الديمقراطيات غير البرلمانية.

الإغلاق الحالي هو الخامس عشر منذ عام 1981، لكنه يحمل هذه المرة ملامح أكثر خطورة، إذ يهدد ليس فقط بتعطيل الخدمات بل أيضًا بإحداث تغييرات بنيوية في الجهاز الإداري الفيدرالي عبر تسريح دائم للموظفين، وهو ما يفتح الباب أمام أزمة سياسية واقتصادية ممتدة.

مقالات ذات صلة: “دفع سعر الأباتشي بالشيكل”: هل سيتعامل ترامب مع إسرائيل بمنطق التاجر؟

مقالات مختارة