أصدرت دائرة الإحصاء المركزية تقريرها المتعلق بسوق العمل لشهر أغسطس، والذي كشف عن صورة مزدوجة، فمن جهة انخفضت معدلات البطالة إلى مستويات تعكس وضعًا شبه طبيعي، ومن جهة أخرى بقيت نسبة التشغيل متدنية ولم تستعد بعد مستويات ما قبل الحرب.
ففي شهر أغسطس انخفضت نسبة البطالة الواسعة إلى 4.3%، أي ما يعادل 201 ألف شخص، مقارنة بـ 4.5% في يوليو حين بلغ عدد العاطلين عن العمل 210 آلاف. هذه النسبة تقارب المعدلات التي سادت في سبتمبر 2023، قبل اندلاع الحرب في غزة، حين وصلت نسبة البطالة إلى 4.2%، بل إنها أدنى من مستوى أغسطس 2023 الذي بلغ 4.5%. هذه الأرقام توحي بالعودة إلى “البطالة العادية”، أي إلى المستويات التي ترافق عادة الاقتصاد في أوضاع مستقرة.

معدلات التشغيل
لكن عند النظر إلى جانب التشغيل تتعكر الصوررة الوردية. فنسبة التشغيل، أي نسبة العاملين من بين السكان في سن الخامسة عشرة فما فوق، تراجعت من 60.7 في المئة في يوليو إلى 60.4 في المئة في أغسطس. ورغم أن هذه النسبة قريبة من معدلات العام الماضي، فإنها لم تتمكن منذ بداية الحرب من تجاوز حاجز 61 في المئة. ففي أغسطس 2023 بلغت نسبة التشغيل 61.5 في المئة، وفي سبتمبر من العام نفسه 61.1 في المئة، لكن منذ اندلاع الحرب بقيت أقل من ذلك.
تشير البيانات إلى تحسن طفيف في البطالة “الكلاسيكية”، أي العاطلين الذين يبحثون عن عمل بجدية، حيث انخفضت النسبة من 3.1%، أي نحو 144 ألف شخص في يوليو، إلى 3%، أي حوالي 139 ألف شخص في أغسطس. هذه مستويات متدنية جدًا تُعتبر ضمن ما يُعرف بـ”البطالة الاحتكاكية”، أي البطالة الطبيعية المرتبطة بحركة التنقل بين أماكن العمل. في المقابل، البطالة الواسعة التي تشمل العاطلين الكلاسيكيين إلى جانب من تغيبوا مؤقتًا عن أعمالهم أو توقفوا عن البحث بسبب الإحباط، أظهرت تقلبات حادة، ففي يونيو بلغت 4.5%، أي ما يعادل 210 آلاف شخص، ثم ارتفعت بشكل كبير في يوليو إلى 10.1%، أي 465 ألف شخص، نتيجة الشلل الذي أحدثته الحرب مع إيران، قبل أن تنخفض مجددًا في أغسطس إلى 4.3%، أي نحو 201 ألف شخص، وهو مستوى قريب من معدلات ما قبل الحرب.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، فإن التفسير الأساسي لتعثر التشغيل يرتبط بآثار الحرب. فقد تسببت الإصابات الجسدية والإعاقات، والصدمات النفسية التي أبعدت أشخاصًا عن سوق العمل، إضافة إلى غياب آلاف الجنود في الاحتياط وبقاء أزواجهم أو زوجاتهم تحت ضغط يمنعهم من العمل بشكل منتظم، وكذلك عمليات الإخلاء التي قطعت الصلة بين عمال وأماكن عملهم. هذه العوامل مجتمعة جعلت من الصعب على نسبة التشغيل أن تعود إلى مستويات ما قبل الحرب، حتى مع انخفاض البطالة الرسمية.
إلى جانب ذلك، يوضح خبراء سوق العمل أن الاستدعاء الواسع لجنود الاحتياط قد يُعطي صورة مضللة عن وضع التشغيل الحقيقي، لأن غيابهم عن أماكن عملهم يُسجَّل في الإحصاءات بطريقة لا تُظهرهم كعاطلين عن العمل، ما يخفي جزءًا من حجم المشكلة الفعلية في سوق العمل.
وبذلك، تبدو الصورة في أغسطس متناقضة: من جهة تشير الأرقام إلى بطالة منخفضة تشبه أيام ما قبل الحرب، ومن جهة أخرى تكشف نسب التشغيل أن سوق العمل لم يتعافَ تمامًا بعد، وما زال يتأثر بقوة من تداعيات الحرب المستمرة.
مقالات ذات صلة: التفاؤل سيد الموقف: توقعات الزيادة في التوظيف في البلاد ترتفع لأعلى مستوى لها منذ بداية الحرب











