/
/
من رئاسة الاستخبارات إلى وزير الخارجية: من هو هاكان فيدان عرّاب المقاطعة الاقتصادية ضد إسرائيل؟

من رئاسة الاستخبارات إلى وزير الخارجية: من هو هاكان فيدان عرّاب المقاطعة الاقتصادية ضد إسرائيل؟

أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
45a351e4 1eb1 425f 8a2a 33b082c2ea83
هاكان فيدان في جلسة في البرلمان التركي عن غزة، الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي

شهدت الساحة السياسية والإعلامية في تركيا وإسرائيل ضجة كبيرة بعد إعلان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن “قطع كامل” للعلاقات الاقتصادية مع إسرائيل ووقف الحركة الجوية بين البلدين. لكن التدقيق في التفاصيل والبيانات الاقتصادية يكشف أن الواقع مختلف عن الصورة التي حاول فيدان إبرازها، وأن الخطوات التركية أكثر محدودية مما بدت عليه في البداية.

أبرز الإجراءات التي اتخذتها أنقرة كان منع السفن الإسرائيلية من الرسو في الموانئ التركية، ومنع السفن التركية من التوجه إلى الموانئ الإسرائيلية، إضافة إلى الحظر على أي سفينة تحمل أسلحة لإسرائيل. المتضرر المباشر بحسب موقع غلوبس الاقتصادي كان شركة الشحن الإسرائيلية “ZIM”، التي اعتمدت منذ سنوات على خطوط بحرية تتضمن محطات في تركيا، واضطرت الآن إلى تجاوز هذه الموانئ وتحمل خسائرة ناجمة خسارة عن وقف شحنها للبضائع التركية. غير أن شركات الشحن العالمية الأخرى تلقت رسائل واضحة من السلطات التركية بأنها تستطيع الاستمرار في نشاطها المعتاد، ما دامت لا تنقل أسلحة إلى إسرائيل، بعكس ما تمّ الإشارة إليه سابقًا بأن عليها التعهد بأنها لا تمتلك أي صلة مع إسرائيل.

داخل تركيا، يظهر أن فيدان هو المحرك الأساسي لخطوات التصعيد. فمنذ انتقاله من رئاسة جهاز الاستخبارات (MIT) إلى وزارة الخارجية في يونيو 2023، أحاط نفسه بمقربين يتبنون خطًا أكثر تشددًا تجاه إسرائيل. كما تم تغيير جميع كبار الموظفين في السفارة التركية بتل أبيب ليتماشى أداؤهم مع توجهاته، بحسب موقع غلوبس. ويحرص فيدان أيضًا على الحضور الإعلامي المكثف، حيث كثّف ظهوره في وسائل الإعلام المحلية بخطاب حاد ضد إسرائيل، واصفًا عملياتها العسكرية في غزة ولبنان واليمن وسوريا وإيران بأنها “دليل على ذهنية دولة إرهاب”، ومؤكدًا أن “المقاومة الفلسطينية ستغير مجرى التاريخ”.

اللافت أن فيدان يتحدث في هذا الملف أكثر من الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه، الذي يقترب من نهاية ولايته الدستورية ما لم ينجح في تعديل الدستور. هذا ما دفع بعض المحللين إلى اعتبار أن فيدان يستخدم الملف الإسرائيلي كأداة لتعزيز مكانته الداخلية استعدادًا لمرحلة ما بعد أردوغان. لقاءاته الأخيرة، ومنها اجتماعه في أنقرة مع فالح الفياض رئيس “الحشد الشعبي” العراقي المقرّب من إيران، والذي اغتالت الولايات المتحدة نائبه أبو مهدي المهندس رفقة قاسم سليماني عام 2020، تعكس أيضًا توجهه لمنح شرعية لمجموعات تعتبرها تركيا أدوات سياسية في المنطقة.

10c6c28a dc35 41a7 b3b3 986931b742f8
وزير الخارجية التركي رفقة قائد الحشد الشعبي، الصورة: مواقع التواصل

فجوة بين الواقع والتصريحات 

من ناحية اقتصادية، هناك فجوة واضحة بين تصريحات أنقرة والواقع الفعلي للتجارة، بحسب ما أورد موقع غلوبس. فرغم إعلان تركيا عن وقف التبادل التجاري مع إسرائيل منذ فرض الحظر في مايو 2023، إلا أن بيانات دائرة الإحصاء المركزية تكشف صورة أكثر تعقيدًا. فعلى صعيد الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا، يظهر نجاح شبه كامل للإجراءات التركية، إذ تراجع حجم الصادرات من نحو 137 مليون دولار في يوليو 2023 إلى أقل من نصف مليون دولار في يوليو وأغسطس 2025 معًا.

أما في جانب الواردات الإسرائيلية من تركيا، فالتراجع لم يكن مستقراً أو مطلقًا. فبعد انخفاض بنحو 70% في يونيو 2024 إلى 116.8 مليون دولار، انخفض الرقم مجددًا بنسبة 34% أخرى ليصل إلى 77.6 مليون دولار في يونيو 2025. لكن في يوليو 2025 ارتفعت الواردات بنسبة 17% إلى 71.1 مليون دولار مقارنة بـ60.7 مليون دولار في يوليو 2024. وفي أغسطس 2025 سجلت زيادة طفيفة بنسبة 1% لتصل إلى 74.3 مليون دولار، بعد أن كانت 73.6 مليون دولار في أغسطس 2024.

هذه الأرقام تكشف أن التجارة بين الجانبين لم تتوقف كليًا، بل شهدت تراجعات متفاوتة تخللتها ارتفاعات، بما يعكس استمرار وجود قنوات للتبادل رغم القيود. بعض هذه القنوات كانت عبر تسجيل البضائع كأنها موجهة للسلطة الفلسطينية أو حتى للأردن، ثم نقلها لاحقًا إلى إسرائيل، إضافة إلى أسلوب “الشحن غير المباشر” عبر دول ثالثة، وهي آليات يصعب على السلطات التركية السيطرة الكاملة عليها.

في النهاية، يظهر أن خطوات أنقرة تحمل بعدًا سياسيًا داخليًا أكثر مما تعكس تغييرًا جذريًا في العلاقات الاقتصادية. فبينما تسعى تركيا إلى إبراز موقفها المتشدد تجاه إسرائيل على الساحة الدولية والإقليمية، تكشف الأرقام أن التجارة لم تنقطع كليًا، وأن ما تحقق حتى الآن هو إضعاف الصادرات الإسرائيلية نحو تركيا بشكل شبه كامل، مقابل استمرار الواردات الإسرائيلية من تركيا بحجم أقل ولكن ثابت نسبيًا. بالنسبة لفيدان، تبدو هذه السياسة أداة لبناء مكانته السياسية أكثر مما هي تحول اقتصادي شامل.

مقالات ذات صلة: الحظر دخل حيّز التنفيذ: ZIM الإسرائيلية تعلن عدم تمكّنها من الرسو في الموانئ التركية

مقالات مختارة