
شهدت بلدية سخنين في العشرين من أغسطس اجتماعاً موسعاً بدعوة من مركز مساواة ولجنة متابعة قضايا التعليم العربي واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية لتقييم سير تنفيذ الخطة الخماسية 550 المخصصة لإغلاق الفجوات في التعليم العربي. الاجتماع الذي جاء مع اقتراب افتتاح السنة الدراسية كشف عن صورة مقلقة تتعلق بضعف استنفاد الميزانيات، في وقت يواجه فيه المجتمع العربي تحديات اجتماعية واقتصادية متفاقمة.
رئيس بلدية سخنين ورئيس اللجنة القطرية مازن غنايم افتتح النقاش مؤكداً أن القضايا المطروحة تعكس حجم المسؤولية، وشدد على ضرورة المطالبة بمزيد من الميزانيات من أجل إثراء الطلاب ووضعهم في أطر تعليمية آمنة، خاصة في ظل ظواهر العنف والجريمة التي تهدد المجتمع العربي.
من جانبه، دعا رئيس لجنة متابعة التعليم د. شرف حسان إلى تبني رؤية استراتيجية شاملة لا تقتصر على متابعة خطة 550 فقط، بل تتجاوزها نحو حلول طويلة الأمد تضمن تطوير التعليم العربي بجميع جوانبه. وأكد أن النقاش المحصور في تفاصيل مالية وإجرائية يضيّق الأفق، بينما المطلوب معالجة التحديات البنيوية ووضع برامج عملية لاحتواء الطلاب وحمايتهم من الانزلاق نحو العنف والجريمة.
أما مدير مركز مساواة جعفر فرح فكشف عن أرقام مثيرة للقلق تتعلق بملف المباني المدرسية. فبين عامي 2022 و2024 خُصص ما يقارب 1.95 مليار شيكل لبناء مدارس جديدة وصفوف وتوسعة وصيانة المباني، لكن ما صُرف فعلياً لم يتجاوز 268 مليون شيكل، أي 13.7% فقط من الميزانية. هذا الفارق يعكس إخفاقاً كبيراً في التنفيذ ويؤكد استمرار اتساع الفجوة في البنى التحتية التعليمية. وأوضح فرح أن العراقيل تأتي من سلطة الأراضي وسلطات التخطيط وقسم التطوير في وزارة التربية، ما يترك السلطات المحلية العربية أمام الأهالي بلا أدوات فعلية لتحقيق وعود البناء. وأشار أيضاً إلى أن أقل من 60% من الميزانية المخصصة للساعات التفاضلية والبرامج التربوية قد صُرف، وهو ما يربط بشكل مباشر بين ضعف البنى التحتية التعليمية وعدم فتح مساقات جديدة.
د. سماح الخطيب – أيوب، مديرة لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، عرضت قراءة أولية لنتائج الخطة 550، مشيرة إلى أنه منذ أكتوبر الماضي جرى اقتطاع 15% من ميزانيتها. وأوضحت أن غياب المعطيات المحدثة دفع اللجنة إلى التوجه وفق قانون حرية المعلومات للحصول على بيانات دقيقة، ما يعكس الحاجة الماسة إلى شفافية ورقابة. وبيّنت أن نسبة التسرب في بلدات الخطة انخفضت من 1% عام 2021 إلى 0.6% عام 2023، مقارنة بمتوسط تسرب عام يبلغ 2.2% بين الطلاب العرب، لكن الفجوات بين البلدات ما زالت قائمة. أما في امتحانات البجروت، فقد تراجعت النسب في 16 سلطة محلية مقابل تحسن في 10 سلطات، فيما بقيت نسبة الاستحقاق لشهادة بجروت تؤهل للجامعات عند 51% عام 2022، بعيدة عن الهدف المحدد وهو 64% بحلول 2026.
وألقى عبد شحادة من اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية باللوم على غياب طاولة مستديرة دائمة لمتابعة قضايا التعليم، مشيراً إلى أن 25% من ميزانية وزارة التربية مخصصة للبناء، ومع ذلك لم يُنفذ من مشروع بناء ألف صف تعليمي بميزانية مليار شيكل سوى نحو 15% فقط. كما لفت إلى ميزانيات إضافية مثل برنامج “تحديات” بقيمة 190 مليون شيكل والحركات الشبابية التي تحصل سنوياً على تمويل ثابت، لكن الاستفادة منها لم تنعكس على أرض الواقع في المجتمع العربي.
من جانبها، أكدت د. شيرين حافي – ناطور، مديرة التعليم العربي في وزارة التربية، أن العام الدراسي الحالي سينطلق بشكل أفضل من سابقاته بعد أن أُقرت ميزانية التعليم مسبقاً في الكنيست، لا في نهايته كما كان يحدث في الماضي. لكنها شددت على أن الخطة 550 ليست سوى إضافة مكملة وليست الميزانية الأساسية، داعية إلى بناء خطة خماسية جديدة أكثر ملاءمة لاحتياجات المجتمع العربي بمراحله العمرية المختلفة، وإلى تعزيز الرقابة المحلية على التنفيذ لضمان استنفاد الموارد بشكل عادل.
الاجتماع الذي شارك فيه أيضاً رؤساء سلطات محلية كأم الفحم والمزرعة، إلى جانب مديري أقسام التربية وممثلي المجتمع المدني، اختتم بالتأكيد على أن الأزمة الحالية لا يمكن حصرها في الأبنية والميزانيات غير المصروفة، بل تتطلب استراتيجية شاملة تتناول المناهج، تأهيل المعلمين، التعليم المهني والتكنولوجي، وبناء الثقة مع المجتمع العربي. ومع أن الأرقام تكشف عن ضعف التنفيذ وغياب الشفافية، إلا أن الأصوات المشاركة شددت على أن هذه الأزمة يمكن أن تتحول إلى فرصة لوضع رؤية تعليمية متجددة تُنصف المجتمع العربي وتغلق الفجوات التاريخية.
مقالات ذات صلة: فجوات صادمة: 2 مليار شيكل حجم الميزانيات المخصصة للتعليم العربي… لم يُصرف منها سوى 13% فقط!











