/
/
المؤسسات غير المصرفية والقروض: حفرة أعمق من الديون قد تكلفك منزلك بسهولة

المؤسسات غير المصرفية والقروض: حفرة أعمق من الديون قد تكلفك منزلك بسهولة

أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands

Design for website 6

يسيطر القطاع المصرفي بشكل شبه مطلق على سوق القروض السكنية (المشكنتا) في البلاد، حيث يبلغ حجم محفظة القروض السكنية التي قدمتها البنوك أكثر من 620 مليار شيكل، بما يعادل نحو 95% من إجمالي السوق. وقبل سنوات قليلة، كان هذا الرقم أعلى وبلغ 98% تقريبًا، لكن التغييرات الأخيرة فتحت المجال أمام شركات خارج المنظومة المصرفية، إضافة إلى شركات التأمين وصناديق الاستثمار، التي رأت في هذا المجال فرصة لتحقيق أرباح في قطاعات لم يركز عليها النظام البنكي.

وبحسب تقرير عن هذه الظاهرة لموقع داماركر، فإنّ القروض السكنية لم تعد مجرد وسيلة لشراء منزل، بل تحولت إلى أداة رئيسية للإقراض. حيث أشار مستشارون تحدثوا إلى الموقع إلى أن من يرغب في قرض بمبلغ 50 ألف شيكل مثلًا لقضاء عطلة في الخارج أو لتمويل مشروع صغير، يتم سؤاله فورًا: هل لديك منزل؟ وكم تبلغ قيمته؟ هذا التوجه شمل البنوك نفسها، التي بدأت بدورها تمنح مزيدًا من القروض مقابل رهن العقارات، ما قلل الحاجة إلى فحص المخاطر الائتمانية بدقة.

رغم ذلك، لا تزال هناك فجوة واضحة بين البنوك والمؤسسات غير المصرفية. وتنقسم القروض السكنية خارج البنوك تنقسم إلى قسمين: قروض تمنحها المؤسسات الكبرى مثل شركات التأمين، وهي تخضع لرقابة مشابهة للبنوك، وقروض تقدمها شركات تمويل خاصة صغيرة، وتكاد لا تخضع لأي رقابة فعلية. هذا القطاع الأخير (شركات التمويل الخاصة) يمثل حاليًا نحو 6 مليارات شيكل فقط، أي حوالي 1% من حجم السوق، لكنه يخدم آلاف العائلات.

فوائد أعلى ومخاطر أكبر

وبحسب تقرير ذاماركر، فبينما تمنح البنوك قروضًا سكنية بفائدة “رئيسية – برايم” تقل قليلًا عن 6% عند شراء شقة أو عقار لأول مرة، وترتفع إلى “برايم +1.5%” عند قروض لأغراض أخرى (مثل تمويل مشروع، سفر وغيرها)، فإن المؤسسات غير المصرفية تقدم هذه القروض بأسعار أعلى بكثير، تصل إلى “برايم + 3%” وحتى “برايم + 3.5%”. ويعود السبب إلى أن هذه الشركات لا تملك ودائع عامة كالبنوك، بل تعتمد على تمويل مكلف من جهات استثمارية.

الأخطر بحسب التقرير هو الفرق الجوهري بين البنوك والشركات غير المصرفية. ففي حين أن البنوك ملزمة بقيود صارمة، مثل سقف تمويل لا يتجاوز 75% من قيمة الشقة الأولى و50% للقروض الأخرى، إضافة إلى تحديد سقف الاسترجاع الشهري بنسبة 50% من الدخل المتاح للأسرة، فإنّ الشركات غير المصرفية لا تلتزم بهذه الحدود، إذ يمكن أن تقدم قروضًا بتمويل يصل إلى 85% أو حتى 90% من قيمة العقار، وأحيانًا تمنح قروضًا لمن هم في حالة إفلاس أو تعثر مالي، بالاعتماد فقط على قيمة العقار المرهون. وفي حال التعثر، لا تتردد بعض هذه الشركات في حجز العقار وبيعه، على عكس البنوك التي تتجنب غالبًا طرد السكان من منازلهم.

Foreclosure
في حال التعثر، لا تتردد بعض هذه الشركات في حجز العقار وبيعه، صورة تعبيرية

توسع سريع للشركات الجديدة

واحدة من أبرز الشركات الناشطة في هذا المجال هي “ميمون يشير”، التي ركزت سابقًا على قروض السيارات، لكنها دخلت قطاع القروض السكنية نهاية عام 2022 عبر شركتها التابعة “ميمون يشير” للعقارات التي تملك 85% منها، بينما تمتلك شركة التأمين “منورا” 15%. وتكشق أرقام النصف الأول من عام 2025 قفزة قوية، حيث منحت الشركة، بحسب داماركر، قروضًا سكنية بقيمة 422 مليون شيكل في الربع الثاني فقط، بزيادة 57% مقارنة بالعام الماضي. وبلغ إجمالي محفظة القروض السكنية لديها بلغ 2.7 مليار شيكل حتى يونيو 2025، أي ارتفاع بنسبة 68% عن العام السابق.

العوائد كانت لافتة أيضًا، حيث سجلت الشركة هامشًا ماليًا متوسطًا بلغ 4.11% في الربع الثاني، مقارنة بـ3.66% قبل عام، ما مكّنها من تحقيق ربح صافي قدره 18.7 مليون شيكل في النصف الأول من 2025، بزيادة 58% عن الفترة المماثلة من 2024. إلى جانب “ميمون يشير”، تستعد شركات عديدة لإطلاق فروع جديدة في مجال القروض السكنية.

مخاطر واستغلال

رغم توسع السوق، يحذر خبراء من أن هذه القروض قد تدفع الأسر إلى “حفرة أعمق” من الديون، خاصة أن بعض الشركات تسوق منتجاتها لمن يعجزون أصلًا عن الحصول على قرض بنكي بسبب عدم استقرار دخلهم أو ضعف قدرتهم على السداد. في حالات عدة، توحّد الأسر قروضها السابقة في قرض سكني جديد من هذه الشركات بهدف تخفيف العبء الشهري، لكنها بذلك تزيد المخاطر على نفسها، إذ أن التخلف عن السداد قد يؤدي إلى خسارة المنزل.

رغم أن القانون يلزم هذه الشركات بالكشف الكامل عن الشروط والالتزام بقانون الائتمان العادل، إلا أن غياب الرقابة الميدانية يجعل بعض الجهات تستغل الزبائن، خصوصًا أولئك الذين يمرون بأزمات مالية. مراقب الدولة نفسه أوصى سابقًا بتعزيز الطواقم الرقابية وتخصيص ميزانيات إضافية لسلطة سوق المال، التي لم تقم حتى الآن بمراجعات جدية لقطاع القروض السكنية خارج البنوك.

بين تعزيز المنافسة وحماية المستهلك

سلطة سوق المال تبرر سياستها بأنها تهدف إلى تعزيز المنافسة في النظام المالي، وخلق بدائل للبنوك التي تهيمن تاريخيًا على القطاع. فهي ترى أن فرض قيود صارمة منذ البداية سيعيد السوق إلى حالة التركّز السابقة ويقضي على فرص المنافسة. لكن محللين يحذرون من أن هذا الانفتاح غير المنظم قد يحمل في طياته مخاطر كبيرة على المستهلكين العاديين.

في النهاية، يبدو أن سوق القروض السكنية في البلاد يعيش مرحلة إعادة تشكيل، حيث يتوسع حضور المؤسسات غير المصرفية بسرعة كبيرة مدفوعة بوعود بأرباح أعلى، بينما يواجه المواطنون احتمالات متزايدة للوقوع في دوامة ديون تهدد استقرارهم المالي وحتى منازلهم.

مقالات ذات صلة: تحت البلاطة أم في البنك: أين يضع العرب أموالهم عند التوفير؟

مقالات مختارة