/
/
“تخرجتُ بشهادة في علم الحاسوب، والشركة الوحيدة التي دعتني لمقابلة عمل كانت مطعمًا للأكل المكسيكي!”

“تخرجتُ بشهادة في علم الحاسوب، والشركة الوحيدة التي دعتني لمقابلة عمل كانت مطعمًا للأكل المكسيكي!”

أعلى معدلات البطالة في الولايات المتحدة يواجهها خريجو علم الحاسوب وهندسة الحاسوب بنسبة 6.1% و7.5% على التوالي، أي أكثر من ضعف معدل البطالة لخريجي علم الأحياء والتاريخ البالغ 3% تقريبًا ■ بسبب الذكاء الاصطناعي، يجد خريجو علم الحاسوب صعوبة كبيرة في العثور على عمل.
أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
ماناسي ميشرا، خريجة جديدة في علم الحاسوب. أنشأت موقع إنترنت في المدرسة الابتدائية، لكنها لا تجد عملًا اليوم تصوير: Madeleine Hordinski/The New York Times"
ماناسي ميشرا، خريجة جديدة في علم الحاسوب. أنشأت موقع إنترنت في المدرسة الابتدائية، لكنها لا تجد عملًا اليوم تصوير: Madeleine Hordinski/The New York Times”

تتذكر ماناسي ميشرا (21 عامًا) التي نشأت قرب وادي السيليكون، في سان رامون بكاليفورنيا، كيف كان مديرو شركات التكنولوجيا يشجعون الطلاب على دراسة علم الحاسوب في منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. “الخطاب السائد كان يؤكد أنك إذا تعلمت البرمجة، وعملت بجد، وتخرجت بشهادة في علم الحاسوب، يمكنك الحصول على راتب كبير من ستة أرقام فور تخرجك”.

وعود صناعة الهايتك دفعت ميشرا إلى إنشاء أول موقع إنترنت لها عندما كانت في المدرسة الابتدائية، والتركيز على دراسة المواد المتعلقة بالبرمجة والحاسوب في المدرسة الثانوية، ثمّ علم الحاسوب في الكلية. لكن بعد عام من السعي وراء وظائف وتدريبات في الهايتك، أنهت ميشرا قبل ثلاثة أشهر دراستها في جامعة بيردو دون أن تتلقى أي عرض عمل. وقالت في مقطع تيك توك نشرته خلال الصيف، وحصد منذ ذلك الحين أكثر من 147 ألف مشاهدة: “لقد أنهيت للتو دراستي مع شهادة في علم الحاسوب، والجهة الوحيدة التي دعتني لمقابلة عمل هي تشيبوتلي (سلسلة مطاعم وجبات سريعة مختصة بالأكل المكسيكي)”.

منذ بداية العقد الماضي، شجع عدد من المليارديرات وكبار المسؤولين في الهايتك وحتى رؤساء أمريكيين الشبابَ على تعلم البرمجة، وزعموا أن المهارات في الهايتك ستساعدهم على الحصول على عمل وتقوي الاقتصاد. شركات التكنولوجيا وعدت خريجي علم الحاسوب برواتب مرتفعة ومزايا من مختلف الأنواع. وقال براد سميث، رئيس مايكروسوفت، عام 2012 عند إطلاق حملة الشركة لتشجيع تعليم البرمجة في المدارس: “عادةً ما يكون الراتب الابتدائي أكثر من 100 ألف دولار، بالإضافة إلى مكافأة توقيع وخيارات أسهم بقيمة 50 ألف دولار”.

2 1
طلاب علم الحاسوب في جامعة بار إيلان تصوير: هداس فرّوش

الحوافز الاقتصادية، إضافة إلى الرغبة في إنشاء تطبيقات تحقق نجاحًا سريعًا، ساهمت في زيادة الإقبال على دراسة علم الحاسوب. ففي العام الماضي، بلغ عدد الخريجين في مجال الهاتيك بالولايات المتحدة أكثر من 170 ألفًا، أي أكثر من ضعف عددهم في عام 2014، وذلك وفقًا لاتحاد أبحاث الحوسبة، وهو منظمة غير ربحية تجمع بيانات سنوية من نحو 200 جامعة.

لكن الآن، في أعقاب انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي للبرمجة التي يمكنها إنتاج آلاف الأسطر من الأكواد البرمجية بلمحة بصر، إلى جانب موجات تسريح في شركات مثل أمازون، وإنتل، وميتا، ومايكروسوفت، أصبحت هناك فرص أقل في المجالات التي روّج لها كبار عالم التكنولوجيا على مدى سنوات باعتبارها البطاقة الذهبية لدخول مسار مهني مرموق. وهذا التطور غيّر أحلام العمل لدى كثير من خريجي علم الحاسوب ودفعهم للبحث عن وظائف في أماكن أخرى.

بين خريجي الكليات ممن تتراوح أعمارهم بين 22 و27 عامًا، يواجه خريجو علم الحاسوب والهندسة الحاسوبية أعلى معدلات البطالة، 6.1% و7.5% على التوالي، وذلك وفق تقرير للبنك الفدرالي في نيويورك. وهذا أكثر من ضعف معدل البطالة لخريجي علم الأحياء والتاريخ، الذي يبلغ حوالي 3%.

وقال جيف فوربس، المدير السابق لبرنامج التعليم وتطوير القوى العاملة في المؤسسة الوطنية للعلوم: “أنا قلق جدًا. الطلاب في علم الحاسوب الذين أنهوا دراستهم قبل ثلاث أو أربع سنوات كانوا يتلقون العديد من العروض من شركات رائدة ويعملون على اختيار الأنسب لهم بينها. أما الآن، فيجد الطلاب صعوبة بالغة في الحصول على عرض عمل واحد”.

ردًا على أسئلة نيويورك تايمز، روى أكثر من 150 طالبًا في مرحلة الدراسة الجامعية إضافة إلى خريجين أنهوا دراستهم مؤخرًا تجاربهم. بعض هؤلاء الطلاب درسوا في جامعات حكومية مثل جامعة ماريلاند، وجامعة واشنطن، وجامعة تكساس، وبعضهم الآخر درسوا (أو يدرسون) في جامعات خاصة مثل كورنيل وستانفورد. وقد أكد بعضهم أنّهم قدّموا طلبات توظيف لمئات الوظائف، وفي بعض الحالات لآلاف الوظائف التقنية في شركات، وجمعيات، ووكالات حكومية.

وعادة ما تكون عملية التقديم مرهقة، إذ تطلب شركات التكنولوجيا من المتقدمين اجتياز اختبارات برمجة عبر الإنترنت، ومن يُظهر قدرات جيدة في الاختبار الأولي يُطلب منه إكمال مهام برمجة إضافية والحضور لمقابلات. وقد قال كثير من الخريجين إن جهودًا تستمر شهرًا كاملًا في محاولة أن يتمّ قبولهم في وظيفة واحدة، كثيرًا ما تنتهي بخيبة أمل كبيرة، أو ما هو أسوأ، بتجاهل تام من الشركة (أي أن الشركة لا تعاود التواصل معهم وتختفي). بعضهم اتهم صناعة الهايتك بممارسة “Gaslighting ” (مصطلح شائع يدل على التلاعب النفسي وجعل الطرف الآخر يشك في نفسه وقدراته)، وزعموا في الواقع أنه تم الكذب عليهم بشأن الفرص التي تنتظرهم. آخرون قالوا إن عملية البحث عن عمل كانت “كئيبة”، “محبطة” و”محطّمة للروح”.

أحد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، زاك تايلور (25 عامًا)، درس علم الحاسوب في جامعة ولاية أوريغون عام 2019، لأنه كان يحب برمجة ألعاب الفيديو عندما كان في المدرسة الثانوية. في ذلك الوقت، بدا أن فرص العمل في صناعة التكنولوجيا وفيرة. لكن منذ أنهى دراسته عام 2023، قدّم طلبات لـ 5,762 وظيفة في المجال، أدت إلى 13 مقابلة عمل فقط، وصفر عروض لوظيفة بدوام كامل. وقال إن البحث عن العمل كان “إحدى أكثر التجارب إحباطًا في حياتي”.

3 1
زاك تايلور. قدّم طلبات لـ 5,762 وظيفة دون نجاح تصوير: Jordan Gale/The New York Times

سبب رئيسي للضغط الذي يشعر به خريجو علم الحاسوب هو انتقال شركات التكنولوجيا إلى استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للبرمجة، الأمر الذي يؤدي في بعض الشركات إلى انخفاض في توظيف مهندسي البرمجيات المبتدئين. تبرز هذه الظاهرة بشكل واضح في وسط مدينة سان فرانسيسكو، حيث تعِد الإعلانات على اللوحات الإعلانية لأدوات ذكاء اصطناعي مثل CodeRabbit بإصلاح الأخطاء البرمجية أسرع من البشر.

يقول ماثيو مارتن، وهو اقتصادي كبير في شركة التوقعات أوكسفورد إيكونوميكس: “المؤسف الآن، خصوصًا لمن أنهى دراسته مؤخرًا، هو أن الوظائف الأكثر احتمالًا لأن تمر بعمليات أتمتة هي تلك يشغلها مبتدؤون، وهي نفسها الوظائف التي يبحث عنها الخريجون”.

تقول تريسي كامب، مديرة اتحاد أبحاث الحوسبة، إن خريجي علم الحاسوب الجدد قد يتضررون هذا العام بشكل خاص، لأن العديد من الجامعات بدأت مؤخرًا فقط في تعليم البرمجة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، المهارة الجديدة التي تثير اهتمام شركات التكنولوجيا حاليًا.

بعض الخريجين وصفوا الأمر بأنه وقوع في “فخ الذكاء الاصطناعي”. كثير من الباحثين عن عمل يستخدمون الآن أدوات ذكاء اصطناعي مخصصة مثل Simplify، لتكييف سيرهم الذاتية مع وظائف معينة، أو لملء استمارات التقدم عبر الإنترنت بشكل تلقائي، ما يتيح لهم تقديم طلبات بسرعة وبنطاق واسع. وفي المقابل، ألمحت الشركات أيضًا للمتقدمين بأنها تستخدم الذكاء الاصطناعي لفحص السير الذاتية ورفض المرشحين غير المناسبين.

في محاولة للتميّز، تقول أودري رولر، وهي عالمة بيانات أنهت مؤخرًا دراستها في جامعة كلارك في ووستر بولاية ماساتشوستس، إنها أبرزت مهاراتها الإنسانية، مثل الإبداع، في سيرة ذاتية تكتبها بنفسها من دون مساعدة شات بوت. ومع ذلك، تقول إنه عندما تقدمت مؤخرًا لوظيفة، تلقت رسالة رفض عبر البريد الإلكتروني بعد ثلاث دقائق. وتقول رولر البالغة 22 عامًا: “بعض الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي لفرز المرشحين وتتخلى عن الجانب الإنساني. من الصعب البقاء متفائلة عندما تشعرين أن خوارزمية هي التي تحدد ما إذا كنتِ تستحقين دفع فواتيرك”.

براد سميث، رئيس مايكروسوفت، التي ستمنح 4 مليارات دولار لتقنيات ودراسة أدوات الذكاء الاصطناعيتصوير: بلومبرغ/James MacDonald
براد سميث، رئيس مايكروسوفت، التي ستمنح تمويلًا لدراسة أدوات الذكاء الاصطناعي للطلاب والعاملين بقيمة 4 مليارات دولار، تصوير: بلومبرغ/James MacDonald

حتى الخريجون الذين يبحثون عن وظيفة تقنية في جهة حكومية يبلغون عن صعوبات متزايدة. بالنسبة لجيمي سبواري (22 عامًا)، التي أنهت هذا العام دراستها في جامعة جورجتاون، فقد كانت لديها في صيف العام الماضي فترة تدريب في المؤسسة الوطنية للعلوم، عملت خلالها على قضايا تتعلق بالأمن القومي والتكنولوجيا، مثل توريد المعادن الأساسية. وتقول إنه منذ ذلك الحين قدّمت طلبات لأكثر من 200 وظيفة في القطاع العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني. لكن التقليصات الأخيرة في الحكومة وتجميد التوظيف جعلت من الصعب الحصول على وظائف حكومية، كما تقول، في حين أن أدوات الذكاء الاصطناعي للبرمجة صعّبت الحصول على وظيفة للمبتدئين في مجال البرمجيات لدى الشركات الخاصة. وتضيف سبواري، التي نشأت في شيكاغو: “إنه أمر محبط أن تخسر فرصًا بسبب الذكاء الاصطناعي، لكنني أعتقد أنه إذا تمكنا من التكيف ومواجهة التحدي، فقد يفتح ذلك أيضًا فرصًا جديدة“.

تتعرض دراسة علم الحاسوب الآن لتحول نحو الذكاء الاصطناعي. رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب، الذي وجّه عام 2017 ميزانيات فيدرالية نحو تعليم علم الحاسوب في المدارس، كشف مؤخرًا عن خطة عمل وطنية للذكاء الاصطناعي تتضمن توجيه المزيد من الطلاب إلى وظائف في المجال. شركة مايكروسوفت، وهي راعٍ كبير لتعليم الحوسبة، قالت مؤخرًا إنها ستمنح تمويلًا لدراسة أدوات الذكاء الاصطناعي للطلاب والعاملين بقيمة 4 مليارات دولار. وفي الشهر الماضي، قال سميث، رئيس مايكروسوفت، إن الشركة تدرس أيضًا كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي الطريقة التي يُدرَّس بها علم الحاسوب.

المقال منشور في وصلة بإذن خاص من The Marker

مقالات مختارة