
في وقتٍ تروج فيه إسرائيل لاستئناف دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، تكشف الوقائع الميدانية أن هذه الخطوة لا تتجاوز كونها محاولة تجميلية لا تمسّ جوهر الأزمة. فبرغم الإعلان عن دخول عشرات الشاحنات في الأيام الماضية، والقيام بإنزالات جوية، بقيت الأسواق الغزية على حالها: جوع متفشٍ، وأسعار مرتفعة، وسلع شحيحة، بل شبه معدومة في كثير من المناطق.
دخلت إلى القطاع يوم الأحد 73 شاحنة مساعدات، تلتها 87 شاحنة يوم الاثنين، وهي أرقام تثير الإحباط مقارنة بما تحتاجه غزة فعليًا لتجنب المجاعة. فبحسب تقديرات الأمم المتحدة والمؤسسات المحلية، تتطلب غزة 600 شاحنة يوميًا على الأقل لتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية والطبية. ما وصل لا يشكل سوى نحو 12% من هذا الرقم، وسط غياب شبه تام للتأمين على الطرق، ما جعل هذه الشاحنات عرضة للنهب في ظل فوضى أمنية تغذيها الاحتلال، وفق للعديد من المصادر.
وكان السكان يأملون أن تسهم هذه الشحنات في تخفيف الضغط على الأسواق، لكن الواقع كان مغايرًا. يشير المواطن عبد الله مقبل من مخيم الشاطئ في حديثه للعربي الجديد إلى أن فرحته بإعلان استئناف دخول المساعدات سرعان ما تلاشت، بعد أن اختفت الشاحنات دون أن يرى السكان أثراً لها. ويؤكد بائع الطحين في دير البلح، باسم العر، أن كيلو الطحين شهد تراجعًا مؤقتًا من 55 شيكل إلى 23 شيكل صباح الأحد، لكنه عاد للارتفاع مساءً إلى نحو 50 شيكل بسبب محدودية الكميات، وتحديدًا الكميات القابلة للتوزيع.
وفي سوق النصيرات، بقيت أسعار الأرز شبه ثابتة، إذ انخفض الكيلو من 80 شيكل إلى 70 شيكل فقط، والسبب يعود إلى ضآلة الشحنات وغياب البضائع التجارية التي تعيد التوازن إلى السوق، حيث يؤكد البائعون أن ما حدث خلال اليومين الماضيين هو مجرّد “وهم إغاثي” ينهار بمجرد اختفاء الشاحنات.
الخبير الاقتصادي عماد لبد يرى أن إسرائيل تنتهج سياسة تجويع ممنهجة، تقوم على ضخ كميات محدودة من المساعدات لا تؤثر فعليًا على المعروض. ويضيف أن الأسواق الغزية لم تعد تخضع لقوانين العرض والطلب، بل باتت تعاني من تشوه اقتصادي حاد، حيث يمكن أن يتضاعف سعر السلعة خلال ساعات. ويرى لبد أن الحل الوحيد هو فتح المعابر بشكل كامل ومنتظم دون شروط، مع ضمان حرية دخول السلع، وعدم حصر المساعدات بنوعية معينة.
ويذهب الخبير الاقتصادي محمد بربخ إلى ما هو أبعد، مشيرًا إلى أن الندرة المفتعلة في السلع الأساسية أصبحت إحدى أدوات الحرب الإسرائيلية، تُستخدم كسلاح فتاك لإخضاع السكان. ويوضح أن بعض السلع الأساسية شهدت ارتفاعات تجاوزت 7000%، كما أن معظم السكان – أكثر من 95% – باتوا يعتمدون كليًا على المساعدات للبقاء على قيد الحياة. وبرأيه، فإن ما حدث في اليومين الماضيين لم يكن سوى حملة دعائية لتخفيف الضغط الدولي، لا تغير من الواقع شيئًا.
مقالات ذات صلة: “جيل بلا مدخرات”: هكذا التهمت نيران الحرب مدخرات أهل غزة ومستقبلهم المالي











