/
/
“جيل بلا مدخرات”: هكذا التهمت نيران الحرب مدخرات أهل غزة ومستقبلهم المالي

“جيل بلا مدخرات”: هكذا التهمت نيران الحرب مدخرات أهل غزة ومستقبلهم المالي

أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
7f9f0a00 091a 4cad aa87 46ea485cde4f
ترميم الأموال إحدى المهن الشائعة في غزة مؤخرًا، الصورة: مواقع التواصل

يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة كارثة مالية حقيقية منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية، حيث مزّق العدوان حياة السكان وأطاح باستقرارهم الاقتصادي، فتبدّدت مدخراتهم وتقلصت فرص صمودهم. فمع اشتداد القصف، وارتفاع وتيرة النزوح، وغياب أي أفق سياسي أو اقتصادي، أصبح التخطيط المالي والأمان الاقتصادي كلمات غير واردة في قاموس أهل القطاع، في ظلّ المعارك اليومية لتأمين لقمة العيش ومصاريف العلاج والمأوى للبقاء على قيد الحياة.

وفق ما ورد في تحقيق “العربي الجديد”، شهدت أسعار السلع الأساسية في القطاع ارتفاعًا تجاوز 1000%، فيما بلغ معدل البطالة 83%، وتجاوزت نسب الفقر 90%. هذه الأرقام ليست مجرّد مؤشرات اقتصادية، بل تعكس انهيارًا فعليًا لوسائل العيش لدى الغزيين، ففي هذه البيئة المنهكة، اضطرت آلاف الأسر إلى استنزاف مدخراتها بالكامل، إن وُجدت، لتغطية الحاجات الأساسية، في ظل الغلاء المستعر وانعدام الدخل.

من القصص المؤلمة، ما رواه المواطن أحمد عليان الذي اشترى شقة في بيت لاهيا مقابل 49 ألف دولار، ليخسرها بعد أسابيع بسبب قصف البرج السكني. لم يفقد عليان منزله فقط، بل ضاعت معه مدخراته، وبات مثقلاً بديون تزيد عن 15 ألف دولار، دون مأوى أو تعويض. هذه التجربة القاسية ليست فريدة، بل تمثل مشهدًا عامًا لعائلات ضاع كل ما تملكه بين أنقاض البيوت أو بسبب دمار مشاريعها الصغيرة خلال العدوان المستمرّ.

أما محمد فارس، العامل الذي عاد من الداخل بعد عامين من الادخار وجمع 20 ألف دولار، فقد خسر 17 ألفًا منها خلال شهور قليلة، بسبب النزوح وارتفاع الإيجارات وكلفة الطعام والمواصلات. اليوم لا يملك سوى ثلاثة آلاف دولار، يُتوقع أن تتآكل قريبًا في ظل انفلات الأسعار.

مصدر في سلطة النقد الفلسطينية كشف أن أكثر من 30% من الأسر اضطرت لسحب كامل مدخراتها لمجرد البقاء على قيد الحياة. وفي مفارقة واضحة، سجلت الودائع المصرفية في غزة نموًا نسبته 83% خلال عام 2024، لتصل إلى أكثر من 3.2 مليارات دولار حتى نهاية نوفمبر، رغم تعطل معظم الخدمات البنكية. إلا أن هذا النمو لا يعني ازدهارًا، بل يعود إلى حرص الناس على إيداع أموالهم في المصارف لحمايتها من القصف أو السرقة.

ومع انفجار تكاليف المعيشة، التي ارتفعت ما بين 600% و1100% بحسب نفس المصدر، وغياب أفق اقتصادي، أُجبر الشباب على إيقاف مشاريعهم، وأُغلقت أمامهم أبواب العمل، فانهارت مدخراتهم واختفت أحلامهم. بل لجأت بعض العائلات لبيع ممتلكات أساسية، من أجل دفع ثمن الخبز أو إيجار المأوى، وسط تحذيرات من بروز “جيل بلا مدخرات” في حال استمرار الوضع القائم.

الخبير الاقتصادي محمد بربخ أكد لموقع العربي الجديد أن ما يحدث هو تدمير شامل للبنية المالية للسكان، وليس فقط للبنية التحتية. وأوضح أن الغلاء والانهيار في مصادر الدخل وتكاليف النزوح جعلت من الادخار أمرًا مستحيلًا، بل تحوّل الواقع إلى ما يُعرف بـ”الادخار السالب”، حيث تصرف الأسرة أكثر مما تجني. ومع غياب أي شبكات أمان مالي أو تأمينات أو دعم حكومي، أصبحت 95% من العائلات تعتمد على المساعدات الإنسانية فقط.

ضمن محاولات التخفيف من الكارثة، أعلنت سلطة النقد الفلسطينية هذا الشهر عن تمديد قرارها بتأجيل استيفاء أقساط القروض حتى نهاية عام 2025. التعليمات الجديدة تنص على وقف خصم الأقساط من المقترضين الأفراد في غزة، استمرارًا لسياسة تجميد الأقساط التي بدأت قبل 20 شهرًا.

وبحسب بيان رسمي، فإن محفظة القروض في القطاع تبلغ نحو مليار دولار، وقد كبّدت سياسة التأجيل المصارف خسائر كبيرة، خاصة مع استمرار العمليات العسكرية وغياب التعويضات. وصرّح محافظ سلطة النقد يحيى شنار أن جهودًا مكثفة بُذلت في الشهور الماضية لتأمين تمويل خارجي يعوّض بعضًا من هذه الخسائر، إلا أن النتائج المرجوّة لم تتحقق حتى الآن. رغم ذلك، شدد شنار على أن الجهاز المصرفي سيبقى ملتزمًا بالقانون وحماية أموال المودعين، مؤكدًا أن الإجراءات الاستثنائية ستتواصل طالما استمرت الحرب.

مقالات ذات صلة: جامعة كولومبيا تخضع لترمب: دفع غرامة قدرها 200 مليون دولار وتقييد الحراك المناصر لفلسطين

مقالات مختارة