يكشف تقرير جديد صادر عن مكتب العمل صورة مقلقة لوضع الشباب العرب في سوق العمل، بعد أن تراجعت مشاركتهم في عام 2025 إلى أدنى مستوى منذ عقد. وبينما تتحدث الحكومة عن استقرار في معدلات البطالة، تظهر البيانات أن الكثير من الشباب العرب خرجوا من دائرة العمل كليًا، لا لأنهم لا يجدون وظائف فحسب، بل لأنهم فقدوا الأمل أصلًا في العثور على عمل ملائم.

الشباب العرب يفقدون الثقة بسوق العمل
بحسب التقرير، نسبة الشباب العرب الذين توقفوا عن البحث عن عمل هي أعلى 2.5 مرة من نظرائهم اليهود. هذا لا يعني فقط ارتفاع معدلات البطالة غير المعلنة بين الشباب العرب، بل يعكس أيضًا حالة من الإحباط البنيوي داخل المجتمع العربي، خصوصًا لدى الفئة العمرية 20–24 عامًا. الشباب العرب اليوم، وفق التقرير، يبتعدون عن سوق العمل لأسباب عديدة، منها: غياب الفرص في بلداتهم، وضعف البنية الاقتصادية من شركات ومناطق صناعية، ورفض كثير منهم العمل في المهن التقليدية التي اشتغل فيها آباؤهم مثل البناء والصناعة.
في الوقت نفسه، لا يملك الشباب العرب خيارات حقيقية أمامهم. فبرامج التدريب المهني المتاحة قليلة، والتعليم التكنولوجي في مدارسهم لا يهيئهم لسوق العمل الحديث، كما أن كثيرين منهم يفضّلون انتظار فرصة براتب مرتفع بدل قبول وظائف بأجور متدنية. ونتيجة لذلك، أصبح جيل كامل من الشبان العرب خارج دائرة العمل والإنتاج، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع ثقتهم بالمؤسسات الحكومية التي يفترض أن تساعدهم على الاندماج الاقتصادي.
معدل البطالة بين الشباب لا يعكس الواقع الفعلي، فالكثير من الشباب الذين فقدوا الأمل بالحصول على وظيفة توقفوا عن البحث عن عمل، وبالتالي لا يُحتسبون في بيانات البطالة
مشاركة الشباب في أدنى مستوياتها
البيانات التي نشرها مكتب العمل تُظهر أن مشاركة الشباب الذكور، عربًا ويهودًا، في سوق العمل تراجعت باستمرار خلال السنوات العشر الماضية، حتى وصلت في عام 2025 إلى 68% فقط بين الفئة العمرية 20–24 عامًا. هذا التراجع يعكس تحولًا كبيرًا في تركيبة القوى العاملة، إذ ارتفعت نسبة المجموعات التي تُعرف تقليديًا بمعدلات تشغيل منخفضة، مثل العرب والحريديم، داخل هذه الفئة العمرية.
ويشير التقرير إلى أن الانخفاض يتركز بين الرجال تحديدًا، إذ ارتفعت نسبة مشاركة النساء، خصوصًا بين النساء العربيات والنساء من المجتمع الحريدي، الأمر الذي جعل نسب المشاركة بين الجنسين متقاربة لأول مرة منذ سنوات طويلة.
بطالة منخفضة تخفي مشكلة أعمق
رغم أن معدل البطالة الرسمي بين الشباب في البلاد يبلغ نحو 5.2% فقط، وهو أقل من المعدلات المسجلة في الولايات المتحدة ودول الـOECD، إلا أن مكتب العمل يوضح أن هذه النسبة لا تعكس الواقع الحقيقي. فالكثير من الشباب الذين فقدوا الأمل بالحصول على وظيفة توقفوا عن البحث عن عمل، وبالتالي لا يُحتسبون ضمن معدلات البطالة. هذا ما يجعل من النسب المتعلقة بانخفاض البطالة مضللة إذ تخفي انخفاضًا أوسع في المشاركة الاقتصادية.

تحولات اجتماعية واقتصادية
يوضح التقرير أن ازدياد نسبة العرب والحريديم بين فئة الشباب كان من العوامل الرئيسية التي أدت إلى انخفاض معدل المشاركة في سوق العمل بشكل عام. ورغم أن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعًا واضحًا في مشاركة النساء العربيات في العمل، فإن هذا التحسن لا يعوّض التراجع الكبير بين الرجال، خاصة في صفوف الشبان العرب الذين يعانون من مستويات عالية من الإحباط، خصوصًا من يعمل منهم أو يحاول العمل في مهن ذات دخل منخفض مقارنة بالمجالات التقنية أو الإدارية. وهذا يجعل إدماجهم في سوق العمل أكثر صعوبة مع مرور الوقت.
مديرة مكتب العمل، عينات مشاش، قالت إن تراجع مشاركة الشباب العرب يحدث بالتوازي مع زيادة ملحوظة في مشاركة النساء من الفئات نفسها، ووصفت هذه المفارقة بأنها “ظاهرة تستوجب معالجة عاجلة”. وأضافت أن استمرار هذا الاتجاه “قد يوسع الفجوة بين من يمتلكون المهارات اللازمة للانخراط في الاقتصاد الحديث، وبين من يجدون أنفسهم خارجه تمامًا”.
الذكاء الاصطناعي يهدد وظائف العرب
يحذر التقرير أيضًا من أن إسرائيل قد تشهد قريبًا ظاهرة مشابهة لما يحدث في عدد من الدول الغربية، حيث ترتفع البطالة بين الشباب المتعلمين وأصحاب المهارات المتوسطة، خصوصًا في مجال التكنولوجيا. ومع التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي داخل سوق العمل، يخشى الخبراء من تقلص عدد الوظائف التقليدية التي يعتمد عليها الكثير من العرب، مثل المهن في مجال الصناعة والخدمات، الأمر الذي قد يزيد من حدة الأزمة الحالية في مشاركة الشباب بسوق العمل.
يخلص التقرير إلى أن معالجة الأزمة لا يمكن أن تقتصر على برامج عامة، بل تتطلب سياسة تشغيل موجهة نحو المجتمع العربي، تشمل تحسين البنية الاقتصادية في البلدات العربية، وإدماج التعليم التكنولوجي في المدارس، وفتح مسارات تشغيل حقيقية للشباب. فبدون ذلك، سيبقى الإحباط عنوان المرحلة، وسيستمر الشباب العرب في الابتعاد عن سوق العمل عامًا بعد عام.
مقالات ذات صلة: هكذا انضمت جولان لبن غفير للقضاء على خطة التطوير الاقتصادي للمجتمع العربي











