
تسعى وزيرة المساواة الاجتماعية ماي جولان للدفع بقرار حكومي، يقضي بتحويل 2.5 مليار شيكل من الخطة الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع العربي (قرار 550) لصالح خطة جديدة لمكافحة الجريمة، تتمثّل في تعزيز قوات الشرطة وأجهزة إنفاذ القانون تحت إشراف وزارة الأمن القومي. تُضاف هذه الخطوة الانتهازية إلى سلسلة من الخطوات التي تهدف إلى تقويض القرار 550 من دون أي مبرر حقيقي. وبدلًا من تعزيز المساواة الاجتماعية، تتجند جولان إلى جانب بن غفير لمحاولة نهب الميزانيات المستحقة للمجتمع العربي مستخدمةً ذرائع كاذبة وشعارات منمقة.
تحت عنوان “مكافحة الجريمة”، تحاول جولان أن تحصر الموارد المخصصة للمجتمع العربي في مجال تطبيق القانون فقط. الخطة الجديدة تُقدم على أنها إعادة تنظيم وإصلاح للخطة القديمة، لكنها في الواقع تسعى لتدمير منظومة مهنية متكاملة الأركان كانت تعمل بنجاح على الجمع بين جوانب إنفاذ القانون والإجراءات الوقائية والتنمية الاقتصادية، واستبدالها بمنظومة محدودة تتعلق بعمل الشرطة فحسب، دون معالجة الأسباب الجذرية للجريمة، ولذلك فهي محكومة مُسبقًا بالفشل.
لفهم مدى خطورة قرارات جولان، من المهم أن نتذكر الأهداف الرئيسية التي قامت عليها الخطة، وهي: إنفاذ القانون، والوقاية من الجريمة، ومعالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية الكامنة خلف الجريمة. في أكتوبر 2021 صادقت الحكومة على خطتين خمسيّتين: القرار 549 لمكافحة الجريمة، والقرار 550 لتقليص الفجوات. انبثقت الخطتان عن تحليل مهني قامت به لجنة تتكون من مدراء عامين من مختلف الوزارات الحكومية أُنشِئَت عام 2019 بمبادرة من نتنياهو. وتوصّلت اللجنة إلى أن مكافحة الجريمة بشكل فعّال تتطلّب الجمع بين عمل منسّق لجميع أجهزة إنفاذ القانون، وبين الاستثمار في مجالات التعليم والرفاه الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، لأن هذه العناصر تشكّل الأساس الحقيقي لمكافحة آفة الجريمة.
بناءً على هذه التوصيات، تم إعداد خطتين: القرار 549 بميزانية قدرها 2.5 مليار شيكل خُصصت لإنفاذ القانون وبرامج مكافحة الجريمة، والقرار 550 بميزانية تقارب 30 مليار شيكل لتقليص الفجوات في التعليم والتشغيل والإسكان والبنية التحتية، وهي المجالات التي تعالج الأسباب العميقة للجريمة. كانت السنة الأولى من تنفيذ الخطتين ناجحة جدًا. إذ تمّ تنفيذ 87% من الخطط والمشاريع المتعلقة بالقرار 550، وهي نسبة التنفيذ الأعلى بين جميع قرارات الحكومة، كما انخفضت معدلات الجريمة لأول مرة منذ عقد. كذلك استمرت معدلات التشغيل في الارتفاع، ما يعني أن هذه الخطة متعددة الجوانب كانت تعمل بنجاح كبير.
منذ تشكيل الحكومة الحالية، استُهدِفَت الخطة بشكل منظّم. تولّى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير تنفيذ القرار 549، لكنه أفرغ الخطة من مضمونها بعدما جمّد البرامج الرئيسية فيها مثل “مسار آمن” و”أوقفوا النزيف”. نتيجة لذلك، تراجعت نسبة ما نُفِّذ من الخطة إلى 21% فقط، وتضاعف عدد القتلى في المجتمع العربي من 111 في عام 2022 إلى 244 في عام 2023.
في الوقت نفسه، حاول بن غفير أيضًا تقويض القرار 550، وطرح مقترحًا مشابهًا لما تروجه جولان اليوم، لكنه فشل. ومع تولّي ماي جولان وزارة المساواة الاجتماعية في مطلع عام 2024، أصبحت الوزيرة شريكته في الجهود الرامية إلى تفكيك الخطة، حيث عملت بشكلٍ ممنهجٍ على تعطيلها وإفشالها، رغم استمرار الخطة في تحقيق نتائج لافتة، كان آخرها تسجيل أعلى معدل للتشغيل في المجتمع العربي حتى الآن.
الآن تسعى جولان إلى إلغاء القرار 550 بشكل نهائي، واستبداله بخطة ضيّقة تركز فقط على إنفاذ القانون. لكن مكافحة الجريمة بفعالية تتطلّب فهمًا أوسع لأسبابها، فهي لا تنبع من أعمال جنائية فقط، بل من أوضاع اجتماعية واقتصادية أيضًا. إذ تنتشر الجريمة في بيئة يسودها التمييز والإهمال ولا تتوفّر فيها الفرص. فالاستثمار في التعليم والعمل والخدمات الاجتماعية هو استثمار يحدّ من الجريمة ويجعل الناس يعيشون بأمان أكثر، تمامًا كما هو الاستثمار في الشرطة. ويعني إلغاء القرار 550 التخلّي عن هذه الإجراءات الفعّالة وتعميق أزمة الثقة بين الدولة والمجتمع العربي.
الخطتان 549 و550 تم تطويرهما بناءً على عمل مهني استمرّ لعدة سنوات، ونتيجة لتعاون بين مختلف القطاعات، وقد وضعتا إطار عمل صحيح لمعالجة آفة الجريمة بشكل فعّال. لا شكّ أنّ هاتين الخطتين قابلتان للمزيد من التحسين، لكن لا حاجة أبدًا لاختراع العجلة من جديد، يكفي فقط التوقف عن وضع العصي فيها. هناك حاجة حقيقية إلى زيادة الموارد المالية لمكافحة الجريمة وتقليص الفجوات، لكن يجب ألا تأتي هذه الزيادات على حساب البرامج القائمة ضمن الخطتين والتي تساهم بالفعل في تحقيق الهدف نفسه.











