
تستعد وزارة المالية لعرض ملامح ميزانية عام 2026 في ظل أجواء سياسية غير مستقرة وأوضاع اقتصادية متوترة بعد الحرب الأخيرة، ووسط تحذيرات متزايدة من أن تضخم ميزانية الأمن سيقود إلى زيادة الضرائب على المواطنين ويقوّض فرص التعافي الاقتصادي.
في مؤتمر صحفي عُقد اليوم، أعلن كبير الاقتصاديين في وزارة المالية، شموئيل أبرامسون، عن خفض توقعات النمو لعام 2025 من 3.1% إلى 2.8%، مستندًا إلى الأداء الضعيف للاقتصاد في الربع الثاني من العام الحالي. أما بالنسبة لعام 2026، فقد رُفعت التوقعات بشكل طفيف إلى 5.2% مقابل 5.1% في التقديرات السابقة. وفي سياق التوقعات، لا يزال بنك إسرائيل أكثر تشاؤمًا، إذ يتوقع نموًا بنسبة 2.5% في 2025 و4.7% في 2026.
أبرامسون شدّد على أن آثار الحرب الاقتصادية ستستمر في العام المقبل، وأن الاقتصاد الإسرائيلي لم يستعد بعد مستوى المخاطرة المنخفض الذي كان عليه قبل اندلاع الحرب. وحذر قائلاً إن “كل شيكل زيادة نصرفه على الأمن يعني ارتفاع الضرائب بشيكل إضافي”، في إشارة إلى العبء المالي الذي يفرضه تضخم النفقات العسكرية والأمنية على دافعي الضرائب.
وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أيّد هذا الرأي، منتقدًا ما وصفه بمحاولات الجيش ووزارة الدفاع “تضخيم” ميزانيتهما. وقال: “في الأسابيع المقبلة سيحاول المتحدث باسم الجيش أن يقنع الجميع بأننا بحاجة إلى المزيد من الأموال، لكن 7 أكتوبر لم يحدث بسبب نقص في الميزانية، بل لأن المنظومة تحتاج إلى إصلاح”. وأوضح أن الخلاف مع الجيش يتعلق بميزانية جنود الاحتياط، ولا يتعدى عشرة مليارات شيكل. فالجيش يطالب بزيادة قدرها نحو 15 مليار شيكل، بينما وزارة المالية ترى أن خمسة مليارات كافية، وقال سموتريتش إن الحل سيكون وسطًا بين المبلغين.
مدير عام وزارة المالية، إيلان روم، بدأ المؤتمر بتصريحات حادة تجاه المؤسسة العسكرية، واصفًا إدارة مواردها بـ”البذخ” ومشيرًا إلى شبهات “لتصرفات تقترب من المخالفات الجنائية” في إدارة أيام الخدمة الاحتياطية. وأوضح أن سلطة الضرائب فتحت تحقيقًا في حالات تلقّى فيها مزودون ومقدّمو خدمات أموالًا سُجّلت على أنها مدقوعات على أيام احتياط أدوها بدلًا من أن ينالوا أجرًا عاديًا قانونيًا على خدماتهم. وأضاف أن “تكاليف الحرب المباشرة بلغت نحو 180 مليار شيكل، خُصِّص ما يتراوح ما بين الثلث والنصف من هذه التكاليف لتغطية نفقات جنود الاحتياط”، مشيرًا إلى أن خفض 25% من هذه الكلفة كان ممكنًا لو تم تجنب الهدر وسوء الإدارة.

روم لفت أيضًا إلى أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخرًا مع وزارة الدفاع بشأن ميزانية 2026 لا يشمل بعد “مستوى الأمن الجديد” بعد الحرب، مؤكدًا أن شكل الميزانية القادمة سيتحدد وفق حجم الإنفاق الأمني.
وفي الوقت ذاته، أقر سموتريتش بأن المفاوضات مع الجيش لم تنته بعد، وأن الوزارة لم تتلقَّ طلبًا رسميًا لزيادة الميزانية، لكنه أشار إلى أنه يفهم من “إشارات” رئيس الوزراء أن طلبات إضافية ستُطرح قريبًا.
أما نائبة مدير قسم الميزانيات، تمار ليفي-بونا، فقد أكدت أن عام 2026 يجب أن يشكّل “عام التحول” نحو خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي، موضحة أن هذه النسبة قفزت خلال الحرب من نحو 60% إلى قرابة 70%. وأوضحت أن الهدف المالي للعام المقبل هو عجز لا يتجاوز 3% من الناتج المحلي، ما من شأنه أن يعيد التوازن تدريجيًا خلال العقد المقبل. وأضافت أن الفجوة بين العجز المتوقع والعجز الفعلي في ميزانيات السنوات 2023–2025 بلغت نحو 277 مليار شيكل، وهو ما يعكس حجم الانحراف المالي الكبير بسبب الحرب.
من جانبه، دعا محافظ بنك إسرائيل، أمير يرون، الحكومة إلى اتباع مسار واضح لخفض الدين العام بشكل ملحوظ ابتداءً من عام 2026، مؤكدًا أن هذا المسار ليس “عنادًا أكاديميًا” بل ضرورة اقتصادية لحماية الاقتصاد من صدمات مستقبلية. وأوضح أن “الاقتصاد الإسرائيلي يتعرض كل بضع سنوات لهزات كبيرة تتطلب زيادة سريعة في الإنفاق، ولذلك يجب أن نحتفظ بهوامش مالية طارئة”.
يرون شدّد أيضًا على أن ميزانية 2026 يجب أن تتضمن استثمارات في محركات النمو مثل التعليم والبنية التحتية للنقل المتقدم، قائلًا إن مثل هذه الاستثمارات “ضرورية لدعم التعافي الاقتصادي وخلق نمو مستدام”، مشيرًا إلى أن خفض نسبة الدين إلى الناتج لن يتحقق دون تقليص واضح في النفقات الأمنية أو إيجاد مصادر تمويل بديلة.
وبينما يتقدم العمل على إعداد الميزانية داخل وزارة المالية، فإن مصيرها التشريعي لا يزال غامضًا بسبب الأزمة داخل الائتلاف الحكومي، بعد انسحاب الأحزاب الحريدية، وعدم وجود مدير لقسم الميزانيات منذ استقالة يوغيف غاردوس، وتعثّر تعيين خلف له بسبب رفض لجنة التعيينات الحكومية لمرشح سموتريتش ثلاث مرات متتالية.
مقالات ذات صلة: بعجز 8 مليار شيكل: التأمين الوطني يواجه خطر الإفلاس خلال عقد











