
تصوير: الناطق بلسان وزارة المالية
في تقرير موسّع نشرته صحيفة كالكاليست الاقتصادية، تحذّر الصحيفة من أن أخطر ما قد تواجهه إسرائيل اقتصاديًا هو العودة إلى الأوضاع السياسية والاجتماعية التي سبقت حرب غزة، أي إلى ما سُمّي في التقرير بـ”العودة إلى السادس من أكتوبر”. فبرغم أن المؤشرات الاقتصادية تبدو اليوم أفضل وأكثر وضوحًا مع اقتراب نهاية الحرب وإمكانية استقرار الأوضاع الأمنية، إلا أن المشكلات البنيوية في الاقتصاد الإسرائيلي ما تزال قائمة بلا حلول، وتشمل تراجع مشاركة الحريديم والعرب في سوق العمل، ضعف البنى التحتية، وتآكل الثقة بالمؤسسات الديمقراطية.
بحسب كالكاليست، فإن انتهاء الحرب وتحرير الأسرى لا يُتوقع أن يحدث انقلابًا كبيرًا في تقديرات وزارة المالية وبنك إسرائيل، إذ كانت التقديرات الأصلية تفترض أن الحرب لن تمتد إلى عام 2026. ومنذ اندلاعها، كانت أغلب التوقعات تتحدث عن نهايتها خلال الربع القادم، لكن الآن، وبعد مرور عامين من الحرب، يبدو أن السيناريو المتفائل بدأ يتحقق فعلاً. في هذا السيناريو يتوقع أن يبلغ النمو في عام 2026 نحو 4.7%، مدفوعًا بارتفاع قدره 14% في الاستثمارات الثابتة و7% في الاستهلاك الخاص. هذا يعني بلغة مبسطة أن مستوى المعيشة سيرتفع للمرة الأولى منذ بداية الحرب، لأن النمو سيتجاوز معدل زيادة السكان.
ويضيف التقرير أن الأشهر الأخيرة من عام 2025 قد تُسهم أيضًا في رفع معدل النمو لهذه السنة إلى ما يتجاوز التقدير الحالي البالغ 2.5%. هذا الانتعاش سيعتمد على ارتفاع الاستهلاك المحلي وتدفّق الاستثمارات، سواء من الإسرائيليين أو من المستثمرين الأجانب الذين سيعودون إلى السوق بمجرد استقرار الوضع الأمني. ومع ذلك، يشير كالكاليست إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي ما زال متأخرًا بنسبة 3.9% عن خط النمو طويل المدى، أي ما يعادل 118 مليار شيكل من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعني أن التعافي سيكون طويلًا ومعقدًا.
من ناحية السياسة النقدية، يطرح التقرير سؤالًا محوريًا: هل سيُسرع بنك إسرائيل في خفض الفائدة بعد توقف الحرب؟ ويجيب بأن المسألة ليست بهذه البساطة، لأن اللجنة النقدية في البنك كانت تبرّر تثبيت الفائدة المرتفعة دومًا بـ«عدم الاستقرار الجيوسياسي»، لكن ذلك لم يكن السبب الوحيد. فقد أشار محافظ البنك، البروفيسور أمير يارون، إلى أن وقف الحرب قد يؤدي على نحو مفارق إلى ارتفاع الأسعار، إذ إن زيادة الاستهلاك وارتفاع الأجور المحتملين سيولّدان ضغوطًا تضخمية جديدة، ما قد يدفع البنك إلى التريث قبل خفض الفائدة.
لكن هناك عوامل معاكسة قد تساهم في تهدئة الأسعار، بحسب كالكاليست. من بينها انخفاض أسعار الرحلات الجوية التي أثّرت سابقًا في مؤشر الأسعار، وتحسّن سعر صرف الشيكل الذي سيجعل الواردات أرخص، وعودة العمال الفلسطينيين إلى قطاع البناء إذا وافقت الحكومة، وهو ما سيساعد في خفض تكاليف المشاريع وتقليل الضغط التضخمي الناتج عن نقص العمالة. لذلك ترى الصحيفة أن تأثير وقف الحرب على الأسعار متناقض ومعقد، ومن المبكر تحديد ما إذا كان سيقود فعلًا إلى خفض الفائدة.
لكن، كما تقول كالكاليست، فإن هذه المسائل المالية ليست لبّ التحدي. القضايا الجوهرية التي ستحدد مصير الاقتصاد الإسرائيلي في العقد المقبل تبقى كما كانت قبل الحرب: إصلاح سوق العمل بحيث يشارك الحريديم والعرب في وظائف نوعية، وتطوير البنى التحتية للنقل والاتصالات، واستعادة الثقة بالمؤسسات الديمقراطية. وستكون موازنة عام 2026 الاختبار الأول للحكومة في التعامل مع هذه القضايا، خصوصًا أنها السنة الأخيرة في ولايتها.

التقرير يعرض ثلاثة سيناريوهات للعامين المقبلين. أولها، وهو السيناريو الإيجابي المثالي، أن تسعى الحكومة إلى تصحيح أخطائها السابقة، فتتخذ خطوات فعلية لدمج الحريديم في سوق العمل، وتُبعد فكرة التعديلات القضائية المثيرة للانقسام، وتبدأ بخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي، وتزيد استثماراتها في البنى التحتية. ويؤكد كالكاليست أن تطبيق هذا السيناريو قد يرفع سريعًا التصنيف الائتماني لإسرائيل، لكنه شبه مستحيل سياسيًا في ظل التحالف الحاكم الحالي الذي لا يرى في هذه الإصلاحات مكسبًا انتخابيًا.
أما السيناريو الثاني، الذي تعتبره الصحيفة أكثر واقعية، فهو أن تتجه الحكومة إلى ميزانية انتخابية قطاعية، أي توزيع الموارد على الفئات التي تمثلها أحزاب الائتلاف. يوضح التقرير أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بدأ بالفعل حملته الانتخابية من خلال التركيز على الإنجازات التي قدّمها للمستوطنين، من فتح طرق جديدة في الضفة الغربية إلى تمويل واسع لمؤسسات التعليم الديني. في هذا السيناريو، يُرجح أن تحاول كل الأحزاب تمرير ميزانيات إضافية لجمهورها قبل الانتخابات، لكنه رغم طابعه السياسي الضيق، لا يشكل خطرًا حقيقيًا على الاقتصاد، لأنه سيبقى ضمن عجز معقول بفضل النمو المتوقع في العام القادم.
غير أن أخطر سيناريو، كما يؤكد كالكاليست في عنوان تقريره، هو ما سمّته الصحيفة “العودة إلى السادس من أكتوبر” — أي أن تسعى الحكومة في عامها الأخير إلى استكمال ما سمّته المعارضة “الانقلاب القضائي” عبر إعادة طرح قوانين تمسّ النظام الديمقراطي. فبعد انتهاء الحرب، قد تحاول الحكومة، بحسب التقرير، تقويض استقلال القضاء، خصوصًا أن المحاكم ستشارك في لجان التحقيق المرتقبة حول أحداث السابع من أكتوبر. مثل هذه الخطوات، إن اتخذت، ستعيد تأجيج الانقسام الداخلي وتُضعف ثقة المستثمرين، ما سيؤدي إلى تباطؤ النمو وهروب رؤوس الأموال. لذلك، تحذر الصحيفة من أن أقل ما يمكن للحكومة فعله الآن هو تمضية عامها الأخير دون تعميق الشرخ الاجتماعي.
ويختتم التقرير بتحذير آخر يتعلّق بملف تجنيد الحريديم، الذي يُعد قضية سياسية شائكة. فهؤلاء، كما يقول كالكاليست، أرادوا انتهاء الحرب منذ مدة طويلة لأسباب خاصة، إذ كلما طال أمدها تقلّ فرص تمرير قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية. وبعد سنتين من الحرب، ومع تزايد عدد القتلى والمصابين، تصاعدت الأصوات داخل المجتمع الإسرائيلي المطالبة بتجنيد الحريديم. لكن رغم هذا الضغط الشعبي، يعتقد البعض أن نتنياهو أصبح أقوى داخل الليكود، ما قد يمكّنه من تمرير قانون الإعفاء الذي يرضي شركاءه الدينيين. في المقابل، إذا استمرت الطاقة الاجتماعية التي ولّدتها الحرب والمعارضة السابقة لما عُرف بـ«الانقلاب القضائي»، فقد يصبح تمرير مثل هذا القانون أكثر صعوبة مما تتصوره الحكومة.
مقالات ذات صلة: نهاية الحرب تُحيي الاقتصاد الإسرائيلي: الشيكل يرتفع، الفائدة تتراجع، والاستثمارات تستعد للعودة











