
خلال الحرب مع قطاع غزة، لعبت اتفاقيات أبراهام دورًا محوريًا في إعادة رسم مسارات الطيران بعد توقف رحلات الشركات التركية. فبينما كانت إسطنبول لسنوات طويلة البوابة الرئيسية التي يعبر منها مئات الآلاف من المسافرين الإسرائيليين إلى أوروبا والولايات المتحدة وحتى آسيا، جاءت الإمارات لتقدم بديلاً جزئيًا عبر دبي وأبوظبي، لكن دون أن تتمكن حتى الآن من سد الفجوة الكبيرة التي خلّفها الانسحاب التركي.
بحسب تقرير لموقع غلوبس بمناسبة خمسة أعوام على اتفاقية التطبيع المعروفة باسم “اتفاقيات أبراهام”، فقد فُتحت خطوط مباشرة بين إسرائيل والإمارات لأول مرة عام 2020، وأُطلقت عشرات الرحلات الأسبوعية لنقل الركاب والبضائع. كما أن فتح الأجواء السعودية والبحرينية أمام الطائرات الإسرائيلية اعتُبر خطوة تاريخية، إذ جعل رحلات شركات الطيران الإسرائيلة إلى الهند وتايلاند ودول آسيوية أخرى يتم عبر مسارات أقصر، ما خفّض التكاليف وزمن الرحلات، وجعل دبي وأبوظبي محطات عبور مهمة نحو الشرق وأستراليا وإفريقيا.
ومنذ اندلاع الحرب تدهورت العلاقات مع تركيا بشكل حاد، فأوقفت الخطوط التركية وشركة “بيغاسوس”، اللتان كانتا تشغّلان أكثر من عشر رحلات يوميًا بين تل أبيب وإسطنبول، نشاطهما بشكل كامل، رغم أن 13.5% من حركة الركاب عبر مطار بن غوريون في أغسطس 2023 كان متجهًا إلى تركيا، أي أكثر من 382 ألف مسافر في شهر واحد. اختفاء هذا الحجم الكبير من الحركة الجوية شكّل ضربة قوية لإسرائيل.
في المقابل، أظهرت شركات الطيران الإماراتية قدرًا أكبر من الاستمرارية و”الوفاء” بحسب موقع غلوبس. فشركة “فلاي دبي”، المملوكة لحكومة دبي، واصلت تشغيل نحو عشر رحلات يوميًا، وواصلت “الاتحاد للطيران” تسيير ثلاث رحلات يوميًا تقريبًا. ورغم أن “طيران الإمارات” أوقفت رحلاتها مع بداية الحرب، فإن الشركات الأخرى ظلت محافظة على حضورها، بل ورفعت أحيانًا من وتيرة الرحلات في مواسم الذروة السياحية.

ورغم ذلك، لا تزال أعداد المسافرين عبر هذه الشركات متواضعة مقارنة بالحجم الذي كانت تشغله الخطوط التركية. فوفق بيانات شهر أغسطس الأخير، نقلت “فلاي دبي” 84.3 ألف راكب (3.82% من إجمالي المسافرين)، و”الاتحاد” 33.6 ألفًا (1.52%)، ليبلغ مجموعهم 128.5 ألف راكب فقط، أي نحو 5.8% من الحركة الجوية، بينما استحوذت الشركات التركية قبل عامين على أكثر من 13%.
المقارنة بين إسطنبول ودبي توضّح الفارق الكبير. مطار إسطنبول الدولي IGA تصدّر قائمة المطارات الأكثر اتصالًا عالميًا عام 2024 مع أكثر من 300 وجهة مباشرة، بينما جاء مطار دبي في المرتبة السادسة مع 269 وجهة فقط، ولم يظهر مطار أبوظبي في القائمة. هذه الأرقام تؤكد أن إسطنبول كانت وما تزال نقطة عبور مثالية إلى أوروبا وأمريكا الشمالية وإفريقيا، بينما يتركز تميز الشركات الإماراتية في الوجهات الآسيوية.
من الناحية العملية، يشيد خبراء السياحة بقدرة الإماراتيين على تقديم خدمة عالية المستوى مع مرونة في التحليق فوق أجواء دول عديدة، ما يقلّص مدة الرحلات إلى آسيا. ومع ذلك، تبقى بعض الملاحظات: فطيران رجال الأعمال عبر “فلاي دبي” ليس دائمًا متسقًا من حيث مستوى المقاعد والخدمات، بينما تعتمد “الاتحاد” على شبكة أصغر. أما “طيران الإمارات”، فرغم أنها تقدم حلولًا جيدة للرحلات الطويلة، إلا أنها لم تستأنف رحلاتها المباشرة إلى إسرائيل منذ اندلاع الحرب، وتكتفي بخيارات غير مباشرة عبر أثينا، وهو ما يقلل من جاذبيتها مقارنة بالخطوط التركية التي كانت توفر شبكة واسعة ومتنوعة.
على مستوى السياحة، استفادت الإمارات من موجة أولى قوية بعد توقيع الاتفاقيات، إذ زارها مئات الآلاف من الإسرائيليين بفضل تخفيف متطلبات التأشيرات وحزم العطلات المباشرة. غير أن دبي لم تستطع أن تحل محل أنطاليا أو بودروم أو إسطنبول كوجهات مفضلة لقضاء الإجازات، حيث توجه جزء من السياح الإسرائيليين إلى اليونان وقبرص وبلغاريا وألبانيا وأذربيجان ومونتينيغرو، التي تقدم خيارات بأسعار مناسبة وطابعًا قريبًا من التجربة التركية.
في المحصلة، اتفاقيات أبراهام منحت قطاع الطيران الإسرائيلي “طوق نجاة” في ظل غياب الخطوط التركية، وفتحت أبوابًا جديدة إلى الشرق عبر الخليج. لكنها لم تنجح حتى الآن في تعويض الدور الكبير الذي لعبته تركيا كبوابة عالمية متعددة الاتجاهات. المستقبل القريب قد يشهد توسعًا في نشاط الشركات الإماراتية، خصوصًا في مواسم الذروة السياحية، لكن الفجوة التي خلّفتها إسطنبول لا تزال واضحة.
مقالات ذات صلة: “المطبات الهوائية لا تتوقف منذ كورونا”: كيف واجهت المكاتب السياحية العربية أزمة جديدة خلال الحرب مع إيران؟











