
في غزة، لا تقتصر معاناة السكان على مشاهد الدمار والقتل والتدمير، بل تطال تفاصيل حياتهم اليومية التي تحولت إلى معركة بقاء مستمرة. فكل ما كان بديهيًا قبل الحرب صار اليوم تحديًا مرهقًا، إذ أصبح الماء الصالح للشرب سلعة نادرة تُشترى بكلفة متزايدة، والطهي يعتمد على الحطب بعد انقطاع الغاز، وعدم القدرة على شحن الهواتف والمصابيح المحمولة يجعل ظلمة الليل أشد حلكة. هذه الأعباء الصغيرة في ظاهرها تراكمت لتشكل كلفة قاسية على حياة الغزيين الذين يقتربون من إكمال عامهم الثاني تحت حرب الإبادة.
شادي غراب، شاب يبلغ من العمر 27 عامًا يقطن في مخيم النصيرات، يصف، في حديثه مع موقع العربي الجديد، أنّه يقضي يومه في سباق مرهق لتأمين أبسط الاحتياجات: “كل يوم عليّ أن أُدبِّر أموالًا لشراء الحطب للطهي والماء العذب للشرب، وحتى شحن الهاتف والمصباح أصبح بندًا ثابتًا من مصاريفي اليومية، كل هذا من دون وجود دخل، بعدما توقف راتبي الذي كنت أتقاضاه منذ بداية الحرب”.
المشهد أكثر قتامة عند النظر إلى الخلفية الاقتصادية، إذ تجاوزت معدلات الفقر حاجز 90% في القطاع، وانعدمت تقريبًا فرص العمل. هذا الواقع يجعل من التكاليف اليومية البسيطة عبئًا هائلًا يثقل كاهل العائلات. في هذا الصدد، يوضّح عماد أبو الطرابيش، البالغ من العمر 32 عامًا والنازح من مخيم جباليا إلى حي الرمال في مدينة غزة، أنه يحتاج إلى نحو 25 شيكلًا يوميًا لتغطية الاحتياجات الأساسية من ماء وحطب وشحن للهاتف. ويضيف في حديثه مع العربي الجديد: “قد يبدو المبلغ بسيطًا، لكنه في غياب أي دخل يمثل تحديًا يوميًا. أضطر للاستدانة أو بيع بعض أغراضي، حتى زيارة أهلي صارت صعبة بسبب ارتفاع تكاليف المواصلات. اليوم أتنقل فقط عند الضرورة القصوى“.
ارتفاع أسعار الوقود عمّق الأزمة أكثر، إذ قفز سعر اللتر الواحد من نحو خمسة شواكل قبل الحرب إلى أكثر من 130 شيكلًا في السوق السوداء، ما جعل التنقل شبه مستحيل وحوّل المواصلات إلى رفاهية. “حين يصبح البقاء على قيد الحياة مرهونًا بامتلاك 25 شيكل يوميًا، فهذا يعني أننا نعيش مأساة لا توصف”، يختم أبو الطرابيش حديثه بمرارة.
من جانبها، تروي آلاء العطل (34 عامًا) تجربتها بعد النزوح من مخيم جباليا إلى خانيونس: “اضطررنا للانتقال من الشمال إلى المواصي، لكن النزوح لم يكن خلاصًا بل بداية لمعاناة جديدة. كل يوم أشتري الماء والحطب وأدفع مبالغ إضافية للتنقل وشحن الكشافات. حتى أبسط الأشياء صارت أسعارها مضاعفة وتلتهم ما تبقى من مدخراتي”. وتضيف: “لم نكن نتخيل أن حياتنا ستنحصر في مطاردة مقومات البقاء، ماء نظيف وحطب للطهي ونور من كشاف يُشحن يوميًا. كل تفاصيل حياتنا تحولت إلى معركة بقاء يومية، لا بحثًا عن الراحة بل عن النجاة”.
أما صالح مطر (37 عامًا) من مخيم المغازي في وسط القطاع فيصف حياته اليومية بأنها “حياة بلا استقرار”، موضحًا للعربي الجديد: “أعمل بدخل ثابت قدره 50 شيكلًا يوميًا، لكنني مضطر لدفع ربع هذا الراتب على مصاريف لم تكن موجودة في حياتي قبل الحرب، مثل شرب ماء نظيف أو شحن لمبة للإنارة”. ويضيف: “كل يوم هو اختبار جديد للبقاء، فهذه النفقات أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتي اليومية رغم دخلي المحدود”.
مقالات ذات صلة:











