
شهد قطاع الهايتك العالمي حدثًا بارزًا مع إعلان “جهاز قطر للاستثمار” عن دخولها كمستثمر رئيسي في شركة أنثروبيك الأميركية، المطورة لنموذج الذكاء الاصطناعي “كلود”، في إطار جولة تمويلية ضخمة بلغت قيمتها 13 مليار دولار، وبقيمة سوقية للشركة وصلت إلى 183 مليار دولار. هذا الاستثمار يمثل المرة الأولى التي تدخل فيها قطر رسميًا إلى قطاع الذكاء الاصطناعي، لكنه في الوقت ذاته جزء من خطة أكبر وطموحة تهدف إلى ضخ ما يصل إلى نصف تريليون دولار في الولايات المتحدة خلال العقد المقبل، مع تركيز خاص على التكنولوجيا المتقدمة.
أنثروبيك، التي أسسها موظفون سابقون في “أوبن إيه آي” مطورة Chat-GPT، رسخت مكانتها في السنوات الأخيرة كأحد اللاعبين الكبار في ميدان الذكاء الاصطناعي التوليدي. الشركة تميزت بخطاب أكثر تحفظًا ومسؤولية تجاه انتشار نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، إذ أعرب مديرها التنفيذي داريو أمودي في السابق عن مخاوفه من وصول هذه التقنيات إلى أنظمة سلطوية قد تستغلها في غير الأهداف المعلنة. لكن، ومع تصاعد المنافسة واحتدام سباق التمويل، بدا أن الشركة أعادت النظر في هذه المواقف، خاصة مع إدراكها أن ثروات الخليج العربي تمثل مصدرًا مهمًا لتسريع نمو القطاع، تمامًا كما فعلت منافساتها.
دخول قطر لم يكن بمعزل عن السياق الإقليمي. فالإمارات سبقتها من خلال ذراعها الاستثماري MGX التي ضخت أموالًا في “أوبن إيه آي” وساهمت في مشروع “ستارغيت” لتطوير البنية التحتية الأميركية، بينما حصدت شركات مثل “إكس آي” التابعة لإيلون ماسك تمويلات من مستثمرين قطريين وسعوديين، بما في ذلك Kingdom Holdings السعودية. في هذا الإطار، يظهر أن رؤوس الأموال الخليجية تتحول إلى لاعب مركزي في رسم خريطة صناعة الذكاء الاصطناعي العالمية، مدفوعة برغبة واضحة في أن تكون جزءًا من معادلة التأثير في وادي السيليكون.
من جانبه، أكد جهاز قطر للاستثمار، وهو الصندوق السيادي لدولة قطر الذي يدير أصولًا بقيمة 524 مليار دولار، أن الصفقة تأتي في إطار استراتيجية توسعية جديدة، مشيرًا عبر رئيس قطاع التكنولوجيا فيه محمد الحردان إلى أن “أنثروبيك وجدت موقعها المميز في سوق الذكاء الاصطناعي”. ويخطط الجهاز لزيادة عدد صفقاته في قطاع التكنولوجيا إلى ما بين 20 و25 صفقة سنويًا خلال العامين المقبلين، مقارنة بمتوسط سابق لم يتجاوز 10 إلى 15 صفقة، لتعزيز الحضور في المجالات التي تشكل مستقبل الاقتصاد العالمي.
على الجانب الآخر، يشكل دخول قطر بهذا الحجم إلى عالم الذكاء الاصطناعي مؤشرًا مهمًا لأنثروبيك أيضًا. فالاستثمار يضعها في موقع أكثر قوة لمنافسة شركات مثل “أوبن إيه آي” و”غوغل” و”مايكروسوفت”، ويمنحها دعمًا ماليًا واستراتيجيًا لتعزيز بنيتها التحتية وتوسيع قدراتها البحثية. ومع القيمة السوقية الضخمة التي وصلت إليها، تبدو الشركة في طريقها إلى أن تصبح أحد الأعمدة الرئيسية في صناعة الذكاء الاصطناعي العالمي.
مقالات ذات صلة: المنافسة على أوجهها في عالم الذكاء الاصطناعي: Gemini يضيق الفارق مع ChatGPT… والصينيون يدخلون السباق











