
تشهد مدينة القدس واحدة من أكثر القضايا العقارية حساسية في السنوات الأخيرة، بعد أن كشفت شركة “إكستيل” المملوكة لرجل الأعمال الأميركي غاري برنت عن تقدم في مشروعها الواسع الجديد في أراضي البطريركية اليونانية، الذي يقوم على مبدأ “الإخلاء والبناء”، أي هدم المباني السكنية القائمة التي بُني معظمها قبل عقود طويلة، ثم إقامة أبراج وشقق حديثة مكانها، مع اتفاقيات جديدة مع السكان الحاليين تخص التملك أو تمديد عقود الإيجار.
الأراضي المعنية تمتد على مساحة 570 دونمًا، وتشمل أحياء مركزية وحساسة مثل الطالبية ورحافيا، إضافة إلى أجزاء من وادي المصلبة وحديقة الجرس. هذه الرقعة تضم ما يقارب ألف شقة مأهولة، إلى جانب فنادق بارزة مثل إنبال ودان بانوراما وبرِيما، ومؤسسات عامة وثقافية مثل متحف إسرائيل والكنيس الكبير ومركز بيغن. وقد اشترت مجموعة برنت هذه الأراضي سنة 2023 مقابل 750 مليون شيكل، في واحدة من أكبر صفقات العقارات في تاريخ القدس.
وبسحب ما نشر موقع كالكاليست، فإن شركة إكستيل أعلنت أمام المحكمة العليا أن أكثر من 120 عائلة من السكان الحاليين وقعوا على موافقات أولية تؤكد استعدادهم للانضمام إلى المشروع. هذه العائلات، التي تنتهي عقود إيجارها الطويلة بين عامي 2050 و2052، قُدمت لها عدة خيارات بحسب الشركة. أول هذه الخيارات أن يحصلوا على شقة جديدة في المشروع الجديد (بعد هدم المباني القديمة) أوسع من شقتهم الحالية تحتوي على غرفة إضافية مساحتها 12.5 متر مربع، مع تمديد عقد الإيجار حتى عام 2100 دون أي تكلفة إضافية. الخيار الثاني يمنحهم ملكية كاملة لشقة جديدة بنفس الحجم دون دفع مقابل. أما الخيار الثالث فيجمع بين الملكية الكاملة والتوسعة، لكنه يتطلب دفع 2000 شيكل عن كل متر إضافي. وبالنسبة للشقق التي ليست سكنًا أساسيا أو تلك التي اشتريت بعد يناير 2019، فإن الكلفة تكون أعلى، حيث يفرض على المتر الواحد 2000 أو 4000 شيكل بحسب الحالة.
خلفية هذه الأزمة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، حين وقع الصندوق القومي اليهودي عقود إيجار طويلة الأمد مع البطريركية اليونانية لاستغلال هذه الأراضي مدة 99 عامًا. العقود صُممت لتطوير أحياء سكنية ومبان عامة، لكنها لم تجدَّد منذ عشر سنوات حين بيعت الأراضي لمستثمرين محليين، ثم لاحقًا إلى مجموعة برنت. اليوم، ومع بقاء نحو 25 عامًا فقط لانتهاء العقود، يشعر السكان بقلق كبير على مستقبل منازلهم.
الأزمة دخلت أروقة القضاء بعدما رفعت مجموعة من 204 عائلات التماسًا للمحكمة العليا ضد الصندوق القومي وجهات أخرى. العائلات ترى أن من حقها أن تُمدَّد عقود الإيجار بشكل شبه تلقائي وبثمن رمزي، كما كان معمولًا به في الماضي، وتتهم الصندوق القومي اليهودي بأنه يتخلى عن هذا الحق لصالح المستثمرين. وهي تخشى أن تُدار المفاوضات بعيدًا عن الشفافية، وأن تؤدي في النهاية إلى تقديم تنازلات كبيرة لشركات أجنبية وأصحاب رؤوس أموال على حساب السكان. أمّا الصندوق فيؤكد أنه يحاول الوصول إلى تسوية شاملة تنهي حالة الغموض المستمرة منذ سنوات، ويقول إنه غير مُلزَم قانونيًا بالتمديد التلقائي لهذه العقود.
إكستيل من جانبها ترى أن الحل يكمن في الشراكة مع السكان بدلًا من النزاعات القضائية، وتؤكد أنها ستعرض أي اتفاق نهائي على السكان قبل إبرامه. لكن الملف الآن بيد المحكمة العليا، التي ستقرر إلى جانب أي جهة ستصطف.
مقالات ذات صلة: دعوى قضائية جديدة تعيد إلى الواجهة قضية بيع 500 دونم من أراضي البطريركية اليونانية الأرثوذكسية في القدس











