ليست مزحة! قدمت شركة بيربلكسيتي Perplexity، وهي شركة ناشئة في مجال البحث بالذكاء الاصطناعي عمرها ثلاث سنوات فقط، عرضًا رسميًا لشراء متصفح كروم Chrome من غوغل مقابل 34.5 مليار دولار، في خطوة مفاجئة تزامنت مع احتمال إلزام غوغل ببيع كروم بعد حكم قضائي في الولايات المتحدة أثبت أن الشركة تحتكر بشكل غير قانوني سوق البحث عبر الإنترنت. ورغم أن محللين يقدّرون أن احتمالات إتمام الصفقة منخفضة، فإن مجرد الإعلان عن العرض منح بيربلكسيتي تغطية إعلامية واسعة، ووضعها في مقارنة مباشرة مع شركات كبرى مثل OpenAI.
العرض، الذي تضمن تعهدًا بالحفاظ على محرك كروم مفتوح المصدر والاستثمار فيه بثلاثة مليارات دولار، نص أيضًا على عدم تغيير الإعدادات الافتراضية للمستخدمين، بما في ذلك الإبقاء على غوغل كمحرك البحث الافتراضي بدلًا من فرض محرك بيربلكسيتي المدعوم بالذكاء الاصطناعي. وأوضحت الشركة أن هذه الخطوة تأتي بدافع “المصلحة العامة”، في وقت يترقب فيه السوق قرار المحكمة الذي قد يصدر هذا الشهر. وفي حال صدور قرار البيع، قد يتجاوز سعر الصفقة 50 مليار دولار، وفقًا للرئيس التنفيذي لمحرك البحث المنافس “دك دك جو”، خاصة وأن كروم يهيمن على السوق بنسبة تتراوح بين 65% و68%، ويُستخدم من قبل نحو 3.5 مليارات شخص حول العالم.
بيربلكسيتي، التي تبلغ قيمتها السوقية نحو 18 مليار دولار وفق تقديرات “PitchBook”، جمعت حتى الآن حوالي 1.5 مليار دولار من المستثمرين، بينها 100 مليون دولار الشهر الماضي. وتشير تقارير إلى أن لديها التزامات تمويلية من صناديق رأس مال مخاطر كبيرة لتغطية الصفقة في حال الموافقة عليها، رغم أن القيمة المطلوبة تفوق بكثير ما جمعته الشركة حتى الآن.
تزامن هذا العرض مع مقترحات من وزارة العدل الأميركية لإجبار غوغل على التخلي عن منتجات أخرى في مجال الإعلانات أو تقسيم أنشطتها الإعلانية، بعد حكم قضائي آخر ضد احتكارها في هذا القطاع. وعندما طُرحت فكرة بيع كروم لأول مرة، أبدت كل من OpenAI وبيربلكسيتي اهتمامًا بالشراء.
أهمية كروم بالنسبة لغوغل لا تقتصر على كونه المتصفح الأكثر شعبية، بل لأنه البوابة الأساسية التي تقود المستخدمين إلى محرك بحثها وخدماتها الأخرى، وتمكّنها من جمع كمّ هائل من بيانات الاستخدام لدعم منصتها الإعلانية. لذلك فإن أي صفقة بيع لكروم قد تمثل زلزالًا في أسواق الإنترنت والبحث والإعلانات، وقد تمنح بيربلكسيتي فرصة لتحدي هيمنة غوغل في هذه المجالات.
هذه الخطوة تأتي أيضًا في وقت يشهد فيه سوق المتصفحات بوادر تحول بعد سنوات من الجمود، إذ أطلقت بيربلكسيتي الشهر الماضي متصفحها الخاص “كوميت” المدمج بقدرات ذكاء اصطناعي، في حين أضافت مايكروسوفت خصائص مشابهة إلى متصفح “إيدج”، وتستعد غوغل نفسها لتضمين مزايا ذكاء اصطناعي في كروم. ومع تغير سلوك المستخدمين نحو البحث عبر روبوتات المحادثة ومحركات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي، يبدو أن سوق المتصفحات والبحث يقف أمام مرحلة جديدة قد تعيد رسم ملامحه سواء تم تنفيذ الصفقة أم بقيت مجرد إعلان جريء.
