
في تحقيق جديد لصحيفة هآرتس، كُشف النقاب عن هوية الشركة الأمريكية المسؤولة عن نقل المساعدات الغذائية إلى داخل قطاع غزة، التي تديره مؤسسة “غزة الإنسانية” (GHF)، التي تنشط منذ مايو 2025 داخل القطاع وتدير مراكز لتوزيع المساعدات، بغطاء أمني إسرائيلي ودعم مالي أمريكي.
الشركة المعنية تُدعى Arkel International LLC، وهي شركة أمريكية مختصة في البنى التحتية واللوجستيات، تأسست قبل نحو 60 عامًا في ولاية لويزيانا، وتوصف بأنها تعمل مع الجيوش والحكومات في المناطق “النائية والصعبة”. وقد سبق لها أن نفّذت مشاريع في العراق وأفغانستان لصالح وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين، بعقود تجاوزت مئات ملايين الدولارات، لكنها تنفّذ لأول مرة مشروعًا مدنيًا-عسكريًا بهذا الحجم داخل إسرائيل وفي جوار قطاع غزة.
بحسب التحقيق، Arkel سُجّلت رسميًا في إسرائيل بتاريخ 13 مايو 2025، أي قبل أسبوع واحد من انطلاق عمل مراكز توزيع المساعدات التابعة لـ”غزة الإنسانية”، وقبل يوم واحد فقط من تسجيل شركة مقاولات أخرى تعمل في المشروع تُدعى Safe Reach Solutions. لكن قبل ذلك بشهر على الأقل، كانت هناك محادثات داخل إسرائيل حول تسجيل Arkel رسميًا، ما يشير إلى تحضير مبكر ومخطط مسبق لهذا النشاط.
اللافت أن من مثّل Arkel قانونيًا داخل إسرائيل هو رجل الأعمال الإسرائيلي حزي بتسلئيل، المعروف بتوسطه في صفقات أمنية في إفريقيا، وبكونه قنصلًا فخريًا لرواندا في تل أبيب. وقد سُجّل رسميًا كمفوّض للشركة في البلاد، مخول بفتح الحسابات البنكية وتمثيل الشركة أمام السلطات. رغم ذلك، تدّعي الشركة أن دوره اقتصر على المساعدة في عملية التسجيل مستفيدًا من علاقاته السابقة، وأنه لا يشارك في الإدارة أو يملك حصة فيها. إحدى المصادر المطلعة أفادت بأن بتسلئيل حصل على تصريح من وزارة الدفاع قبل تسجيل Arkel، لكن اسمه لا يزال مُدرجًا رسميًا في سجل الشركات.

سائقون من أوروبا الشرقية وأجور مضاعفة
لإتمام عمليات الشحن والنقل، استقدمت الشركة العشرات من السائقين الأجانب، معظمهم من جورجيا وصربيا، وهي دول لا توجد بينها وبين إسرائيل اتفاقيات رسمية لجلب عمال أجانب. السائقون نُقلوا إلى فندق داخل كيبوتس جنوبي البلاد، حيث يقيمون بانتظار الرحلات اليومية إلى غزة. يحصل هؤلاء على راتب شهري يبلغ حوالي 4,000 شيكل، أي ما يعادل 1,100 دولار تقريبًا، وهو راتب أعلى بكثير من مستويات الأجور في بلدانهم الأصلية.
أحد السائقين من جورجيا أوضح أن شركته الأصلية عرضت عليه فرصة العمل في إسرائيل، ووسيط أوصله إلى شركة Arkel، التي وقّعت معه العقد وتدفع له الراتب مباشرة. وأشار إلى أن عملهم اليومي يتم عبر رحلات منظمة من معبر كرم أبو سالم إلى مراكز التوزيع داخل غزة، تحت حراسة مشددة من الجيش الإسرائيلي، حيث تُفرغ الشاحنات حمولتها وتعود فورًا. وفي بعض الأيام، يتم تسيير رحلتين بدلًا من واحدة.
السائقون أنفسهم اشتكوا من قلة الحركة خارج الكيبوتس. أحدهم قال: “نقضي معظم وقتنا في الكيبوتس، ولا نُسمح لنا بالتجول كثيرًا. وعدونا بجولات في القدس والناصرة، لكنها لم تحدث”. وأضاف آخر أن “العمل ليس خطيرًا جدًا، رغم الانفجارات وإطلاق النار في الخلفية، فطالما لا يستهدفوننا مباشرة، نشعر بالأمان”. مع ذلك، معظم السائقين أوضحوا أن عقودهم تنتهي في سبتمبر 2025، ولا يعلمون إن كانت ستُجدد أو إن كانوا سيُستبدلون بفريق جديد.
شاحنات قديمة وهوية ممسوحة
الشاحنات المستخدمة في نقل المساعدات كانت مملوكة سابقًا لشركة لوجستية إسرائيلية تُدعى Millennium. وقد تم طمس اسم الشركة بطريقة غير مهنية باستخدام الطلاء، لكن لا تزال بعض الشاحنات تحمل شعارها بشكل جزئي. Arkel تقول إنها اشترت الشاحنات من Millennium، فيما صرّح مدير الأخيرة، شمعون سباح، أنهم باعوها لمزود ثالث مرتبط بالمشروع، لكنهم لم يوضحوا هويته.
أما الشحنات الغذائية نفسها، فقد تم تعبئتها في مستودعات تقع في ميناء أشدود وفي القدس، ثم تُنقل إلى مركز لوجستي خاص أُنشئ في منطقة “غلاف غزة”، حيث يتم تحميلها على الشاحنات المتجهة نحو القطاع. داخل غزة، تُفرغ الشاحنات حمولتها في ثلاث نقاط جنوبية قرب أنقاض رفح، ونقطة رابعة على “محور نتساريم” في وسط القطاع.

دور “غزة الإنسانية” والتمويل الغامض
تدير مؤسسة “غزة الإنسانية” أربعة مراكز توزيع رئيسية داخل القطاع، وقد تأسست بالتنسيق مع ضباط في قيادة المنطقة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي، دون علم أو موافقة من وزارة الدفاع، وبمباركة مباشرة من ديوان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. المؤسسة تدير عملياتها عبر ثلاثة مقاولين أساسيين: UG Solutions، Safe Reach، وArkel. الأولى عملت على تأمين الطرق خلال صفقة تبادل أسرى بداية العام، والثانية تتولى حماية مراكز التوزيع، فيما الثالثة هي المسؤولة عن الجوانب اللوجستية.
حتى اليوم، لا تُعرف مصادر تمويل “غزة الإنسانية” بالكامل. لكن بحسب تقرير لوكالة رويترز، فإن وزارة الخارجية الأمريكية وافقت في يونيو 2025 على تخصيص 30 مليون دولار لصالح المؤسسة، منها 7 ملايين تم تحويلها فعلًا. وفي الوقت نفسه، ذكرت مصادر في إدارة ترامب أمام الكونغرس أن إسرائيل وافقت على دفع 30 مليون دولار أخرى كمساهمة موازية. في تقرير آخر بثته قناة “كان 11” الإسرائيلية، كُشف أن الحكومة حولت 700 مليون شيكل لمشروع المساعدات، مستقطعة المبلغ من خلال تقليصات شاملة شملت خدمات اجتماعية، رغم أن وزارة المالية ومكتب نتنياهو نفيا الأمر لاحقًا.

انتقادات دولية ورد الشركة
رغم محاولات Arkel للترويج لدورها في تقديم مساعدات إنسانية، فإن المشروع يتعرض لانتقادات حادة دوليًا، خاصة بسبب إطلاق النار اليومي الذي يتعرض له مننظرو المساعدات.
الناطق باسم Arkel، ترافيس داهارش، قال لصحيفة هآرتس إن الشركة تقدم خدمات بناء ولوجستيات لمؤسسة “غزة الإنسانية”، وإنها تمتثل لجميع القوانين المحلية. لكنه رفض الكشف عن تفاصيل الطاقم العامل بسبب “اعتبارات أمنية”. وأشار مصدر داخل الشركة إلى أن الانتقادات الموجهة للمشروع هي “دعاية من حركة حماس تهدف لتشويه صورة إسرائيل”، وأن “المشروع يهدف إلى دعم إسرائيل وتفكيك حكم حماس في غزة”.
مقالات ذات صلة: مؤسسة إنسانية أم مسيانية؟ الصلة بين اليمين الإنجيلي ومؤسسة توزيع المساعدات في غزة











