
أظهرت دراسة جديدة لجامعة حيفا أن روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي قادرة على إظهار انفتاح معرفي تجاه الآراء المتنوعة، بل تتفوق على البشر في هذا الجانب. إلا أن الدراسة نفسها كشفت مفارقة لافتة، وهي أن هذه الأنظمة، ورغم تفهّمها النظري للتعددية في الآراء، تميل إلى “إلغاء” الآراء المخالفة عندما تُمنح القدرة على الاختيار، وخصوصًا في المواضيع الجدلية والحساسة.
الدراسة، التي نُشرت في مجلة AI & Society العلمية، عملت على قياس ما سمّته بـ”مؤشر التعددية في الذكاء الاصطناعي”، وهو مفهوم يتجاوز مجرد إدراك وجود آراء مختلفة، ليشمل مدى استعداد أنظمة الذكاء الاصطناعي للحفاظ على تلك الآراء بدلًا من محوها. وتم تطوير أداة بحث خاصة لهذا الغرض تُعرف باسم “استبيان العصا السحرية” (Magic Wand Survey)، يتضمن 12 سيناريو تمثل صراعات فكرية وأخلاقية بارزة، مثل الموقف من عقوبة الإعدام، ,الإيمان مقابل الإلحاد، ,تفضيل اقتصاد السوق الحر في مواجهة الاقتصاد الاشتراكي.
في كل سيناريو، طُرحت على المشاركين – وهم عينة من 335 شخصًا و4 روبوتات دردشة متقدمة – ثلاثة أسئلة متتالية: ما هي المواقف الأقرب إليهم؟ وتم سؤالهم أيضًا إذا كانت لديهم عصا سحرية قادرة على محو الرأي الآخر تمامًا، فهل سيستخدمونها؟ وأخيرًا، إلى أي مدى يرون أن كلا الرأيين مشروعان وجديران بالاحترام؟
تمثل الأسئلة قياسًا لمستويين من التعددية: الأول هو التعددية المعرفية، أي مدى القدرة على فهم وتقدير مشروعية وجهات النظر المختلفة. والثاني هو التعددية السلوكية، التي تقيس مدى الاستعداد الفعلي لقبول وجود الرأي المخالف حتى إذا أُتيحت فرصة لإزالته.
الأنظمة التي خضعت للاختبار شملت ChatGPT-4o وGPT-o1 من شركة OpenAI، وGemini 1.5 Pro من غوغل، وClaude 3.5 Sonnet من شركة Anthropic. خضع كل روبوت لاختبار يتضمن 30 تكرارًا لسلسلة الأسئلة، بترتيب عشوائي للحد من التحيز، ثم تم تحليل النتائج ومقارنتها بنتائج البشر.
نتائج الدراسة أظهرت بوضوح أن روبوتات الدردشة الأربعة كانت عمومًا أكثر انفتاحًا معرفيًا من البشر. فقد عبّرت هذه النماذج عن استعداد أكبر للاعتراف بشرعية الآراء المختلفة، حتى تلك التي تتعارض مع “موقفها المفترض”. لكن المفارقة برزت في الجانب السلوكي: فعندما سُئلت هذه الأنظمة عمّا إذا كانت ستستخدم “العصا السحرية” لمحو الرأي الآخر المتعلق بعقوبة الإعدام، أجابت الروبوتات بنسبة 63.4% بأنها ترغب في محو الرأي الآخر، ما يعني أنها رغم تفهّمها لوجود الآراء المختلفة، إلا أنها لم ترغب في بقائه.
في المقابل، أظهر البشر تحفظًا أكبر تجاه “محو” الآراء المخالفة، حتى لو لم يتفقوا معها، ما يدل على استعداد أكبر لحماية التعددية في الواقع الفعلي.
ومن بين النماذج الأربعة، جاء Gemini 1.5 Pro في المرتبة الأولى من حيث التعددية، سواء على المستوى المعرفي أو السلوكي، ما يشير إلى قدرته الأعلى على فهم الاختلاف والحفاظ عليه. أما ChatGPT-4o فقد جاء في المرتبة الأخيرة، وأظهر ميلًا واضحًا لإلغاء الآراء المختلفة، خاصة في المواضيع الأخلاقية المعقدة، مثل الموقف من الدين أو العدالة الجنائية. وجاء النموذجان الآخران في موقع متوسط بين الاثنين.
مقالات ذات صلة: قفزة بنسبة 126% في البحث عبر الذكاء الاصطناعي.. والشركات قلقة من “الاختفاء عن الرادار”











