
في خطوة غير مسبوقة، أعلنت البرازيل عن إطلاق برنامج تجريبي يسمح للمواطنين بامتلاك بياناتهم الرقمية وبيعها بأنفسهم في مقابل المال، لتكون أول دولة في العالم تعطي سكانها هذا الحق السيادي على بياناتهم.
المشروع، الذي يأتي تحت إشراف شركة “داتابريف” الحكومية وبالتعاون مع الشركة الأميركية “درامويف” المتخصصة في تقييم وتسييل البيانات، يسعى لتحويل البيانات التي تنتج عن تعاملات الأفراد اليومية إلى مصدر دخل مباشر لهم بدلاً من أن تستحوذ عليها شركات التكنولوجيا الكبرى كما هو الحال اليوم.
وبحسب بريتاني كايزر، مستشارة شركة “درامويف” والمؤسسة المشاركة لمبادرة “امتلك بياناتك”، فإن ما تفعله البرازيل هو “قلب المعادلة بالكامل”، حيث تمنح المواطن سلطة التحكم ببياناته والاستفادة منها مالياً. وخلال البرنامج التجريبي، سيتمكن مجموعة مختارة من المواطنين من استخدام ما يعرف بـ”محفظة بيانات” أو dWallet، والتي تقوم بتجميع كل بياناتهم الرقمية في مكان واحد. لاحقاً، يمكن للمواطنين بيع هذه البيانات طواعية للشركات مقابل مبالغ مالية تودع في حساباتهم البنكية.
هذه المبادرة تمثل تحولاً جذرياً في مسار الاقتصاد الرقمي، إذ تقدر الحكومة البرازيلية حجم سوق البيانات في البلاد حالياً بنحو 4 مليارات دولار، مع توقعات بأن تقفز قيمته إلى 40 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة. وترى الحكومة أن تمكين المواطنين من الاستفادة مالياً من بياناتهم قد يساهم في تعزيز الشمول المالي وتقليص الفجوة الاقتصادية داخل البلاد.
لكن المشروع الجديد لم يسلم من الانتقادات والمخاوف. خبراء في مجال الخصوصية الرقمية حذروا من أن تحويل البيانات إلى سلعة قد يؤدي إلى استغلال الفئات الضعيفة، خاصة في بلد يعاني فيه ملايين من ضعف الثقافة الرقمية وسوء تغطية الإنترنت، خصوصاً في المناطق النائية والريفية. وأوضح الباحث في منظمة “خصوصية البيانات في البرازيل”، بيدرو باستوس، أن نحو 95% من الأميين الوظيفيين في البرازيل يفتقرون للكفاءة الرقمية اللازمة لفهم التعاملات المعقدة حول بياناتهم، ما قد يجعلهم ضحية لضغوط اقتصادية تدفعهم لبيع بياناتهم بأسعار زهيدة.
يذكر أن البرلمان البرازيلي ناقش مشروع قانون في العام الماضي يصنف البيانات الرقمية كملكية شخصية صريحة، ويُلزم الشركات بدفع تعويضات مالية للأفراد عند استخدامها، وهي خطوة تضع البرازيل في طليعة دول العالم التي تسعى لإعادة صياغة علاقة الأفراد مع بياناتهم.
وعلى عكس الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تواجه مثل هذه الأفكار معارضة شديدة من شركات التكنولوجيا العملاقة وتعقيدات قانونية متشعبة، تبدو البرازيل عازمة على المضي قدماً في مسار جديد يضع المواطنين في مركز معادلة الربح الرقمي، بدل أن يكونوا مجرد وقود لمحركات الشركات الكبرى.
مقالات ذات صلة: مشروع Stargate: تعاون بين OpenAI وNvidia لتأسيس بنية تحتية ضخمة للذكاء الاصطناعي في أبوظبي











