
أثار قانون البث الجديد الذي قدّمه وزير الاتصالات شلومو كرعي جدلاً واسعًا في المشهد السياسي والقانوني في البلاد، بعد أن صادقت عليه اللجنة الوزارية للتشريع اليوم الأحد، رغم المعارضة الصريحة من المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا. القانون، يهدف ظاهريًا إلى تحديث منظومة البث القديمة في البلاد، إلا أن الطريقة التي طُرح بها، والمضامين الجوهرية التي يتضمنها، دفعت جهات قانونية ومهنية للتحذير من أنه قد يُلحق أضرارًا فادحة بحرية التعبير، واستقلالية الإعلام، والتعددية السياسية.
في رأي قانوني مفصل قدّمه نائب المستشارة القضائية، المحامي مئير ليفين، حذرت فيه من أن القانون بصيغته الحالية “قد يعرّض الإعلام الحر في إسرائيل لضربة قاسية، ويقوّض قدرة هيئات البث على أداء دورها الحيوي في نظام ديمقراطي، ويشكّل تهديدًا مباشرًا لحرية التعبير والصحافة”. واعتبر الرأي أن الطريقة التي مر بها القانون كانت متسرعة وغير ناضجة، حيث لم تُستكمل بعد التنسيقات المهنية مع وزارة العدل، ولم تُرفق مسودته بأي شرح أو تبرير رسمي، وهو إجراء نادر ويخالف الأعراف التشريعية.
أحد التعديلات الجوهرية في القانون يقضي بحلّ كلٍّ من “مجلس الكوابل والأقمار الصناعية” و”الهيئة الثانية للبث”، وإنشاء هيئة رقابية بديلة تسمى “الهيئة للبث المرئي”. ورغم أن توحيد الهيئات قد يبدو منطقيًا بالنظر إلى التطورات التكنولوجية، إلا أن المستشارة القضائية شددت على أن استقلالية هذه الهيئة الجديدة يجب أن تكون مضمونة دستوريًا. وبحسب رأيها، فإنّ أي تدخل سياسي في تعيين أعضائها أو إدارتها سيُلغي الأساس القانوني لوجودها من الأصل.
وتعارض الهيئة القانونية كذلك إلغاء الفصل بين النشاط الإخباري التجاري والإخباري المهني، المعمول به حاليًا في القنوات الرئيسية مثل 12 و13. مشروع القانون المقترح يلغي هذا الفصل، ما يعني أن الأخبار قد تُدار بتأثير من النشاط التجاري، الأمر الذي يُضعف استقلالية التحرير ويعرض محتوى الأخبار لتأثيرات تجارية وسياسية مباشرة. زبحسب المستشارة القضائية، فإن ذلك سيُحدث “تغييرًا جذريًا في خارطة الأخبار في إسرائيل، ويُعرض مصداقيتها للخطر، ويقوّض المشاركة الديمقراطية التي تعتمد على إعلام مستقل وموثوق”.

كما يطرح القانون تغييرات في قوانين الملكية الإعلامية، حيث يُقترح تخفيف القيود الصارمة المفروضة حاليًا على امتلاك أكثر من وسيلة إعلامية (قناة، صحيفة، منصة بث)، الأمر الذي يخالف المبدأ الديمقراطي الأساسي “تعدد المنابر”. ووفق ما جاء في موقف المستشارة، فإن التغييرات المقترحة لا تتضمن أي ضمانات لحماية التعددية، وقد تؤدي إلى تركيز الملكية في أيدي قلة من الفاعلين السياسيين أو الاقتصاديين، ما يقلّص المساحة العامة للحوار والنقد.
ورغم ترويج الوزير كراعي للمشروع كخطوة نحو فتح السوق وزيادة المنافسة، تُظهر بنود القانون أنه يقيم هيئة رقابة مركزية واسعة الصلاحيات، سيكون تعيين كبار مسؤوليها خاضعًا بشكل شبه كامل للسلطة السياسية. وسيكون لهذه الهيئة الجديدة سلطة فرض عقوبات، بل وحتى إغلاق قنوات بث، ما يُعطي للحكومة أدوات رقابية غير مسبوقة على الإعلام، ويفتح الباب أمام إسكات الأصوات الناقدة وتسييس الرقابة.
هذا القانون هو استكمال لمجموعة قوانين سنت في الآونة الأخيرة بهدف تقويض حرية الإعلام وقمع الصوت المعارض للحكومة، من ضمنها ما عرف باسم “قانون الجزيرة، واسمه الرسمي “قانون منع المس بأمن الدولة من قبل هيئة بث أجنبية”، الذي منح رئيس الوزراء ووزير الاتصالات إمكانية حظر بث القناة المستهدفة، وصولا إلى إغلاق مكاتبها في البلاد ومصادرة معداتها، إذا اقتنع أحدهما بضرر القناة الأجنبية على الأمن.











