
صفقة التسليح الضخمة التي تم الإعلان عنها هذا الأسبوع بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، والتي تبلغ قيمتها 142 مليار دولار، تثير قلقًا متصاعدًا في الأوساط الأمنية والاستراتيجية الإسرائيلية. فبينما يُروَّج للاتفاق بوصفه خطوة اقتصادية وعسكرية تعزز العلاقات بين واشنطن والرياض، ترى تل أبيب في هذه الصفقة مؤشراً جديداً على تبدّل قواعد اللعبة في المنطقة، بل وربما بداية تراجع نسبي لتفوقها العسكري النوعي الذي طالما ضمنته لها الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
وقد بلغ حجم الصفقة يعادل تقريبًا ضعف ميزانية الدفاع السنوية للمملكة العربية السعودية، والتي تبلغ 78 مليار دولار، ما يعكس انتقالًا سعوديًا إلى جيل جديد من التسليح والقدرات. وتخطط الرياض لتعزيز قدراتها الدفاعية بمجموعة من الأنظمة المتقدمة، تشمل طائرات مقاتلة مثل F-15 المطورة، وربما في المستقبل طائرات F-35 الشبحية التي تُعد درة تاج سلاح الجوي الأمريكي، بالإضافة إلى منظومات دفاعية مضادة للصواريخ الباليستية مثل THAAD، التي تُقدّر تكلفة بطاريتها الواحدة بمليار دولار، في حين تصل تكلفة كل صاروخ اعتراض إلى ثمانية ملايين دولار.
المشكلة بالنسبة لإسرائيل لا تكمن فقط في نوعية الأسلحة، بل في الحجم والوتيرة. “نحن لا نستطيع مجاراة السعودية في الكمية، يمكننا فقط الحفاظ على التفوق بالجودة”، هكذا عبّر مسؤول إسرائيلي عن مخاوفه في حديثه مع موقع ذاماركر، وأكد أنّه في الوقت الراهن، لا تعادي السعوية إسرائيل، لكن الأحداث تؤكد أن الأمور قد تنقلب في أي لحظة في الشرق الأوسط.
رغم أن الولايات المتحدة ما زالت تلتزم – على الأقل من حيث المبدأ – بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل مقابل الدول العربية والإسلامية في المنطقة، فإن التصاعد المستمر في قدرات دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، يعني أن إسرائيل باتت مجبرة على الدخول في سباق تسلح إقليمي متسارع، ما يزيد من العبء المالي على موازنتها الدفاعية، ويعقّد حساباتها الاستراتيجية.
لكن الصفقة لا تهدد إسرائيل فقط على المستوى العسكري، بل الاقتصادي والتجاري أيضاً. شركات السلاح الإسرائيلية مثل “إلبيط” و”شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية” التي كانت تترقب انفراجة في سوق الخليج بعد اتفاقيات أبراهام، تجد نفسها اليوم خارج دائرة الصفقات الكبرى، بحسب موقع ذاماركر. إذ أن الصفقة السعودية-الأمريكية، التي تتضمن تعاوناً مباشراً مع عمالقة الصناعة الدفاعية الأمريكية مثل بوينغ (Boeing)، وريثيون (RTX)، ونورثروب غرومان (Northrop Grumman)، تُكرّس احتكار الشركات الأمريكية للسوق السعودي، مع غياب تام للشركات الإسرائيلية.
وقد عبّر مسؤولون كبار في قطاع الصناعات الأمنية الإسرائيلية عن خيبة أملهم من ضياع فرصة تاريخية كان يمكن أن تفتح أمام إسرائيل سوقًا هائلة لو تحققت تطورات في مسار التطبيع مع السعودية. إلا أن استمرار الحرب في غزة، وغياب أي أفق دبلوماسي لإنهائها، يضع عائقًا سياسيًا وأخلاقيًا أمام أي خطوة تطبيعية من الجانب السعودي، ويغلق الباب أمام الشركات الإسرائيلية لدخول هذه السوق.
ويُشار إلى أن السعودية أعلنت مؤخرًا عن إنتاج أول بطارية دفاعية من طراز THAAD تم تصنيعها على أراضيها، في إطار شراكة تقنية مع الولايات المتحدة. وهو تطور يُذكّر بالنموذج الإسرائيلي-الأمريكي في التعاون العسكري، لكنه هذه المرة يُعاد إنتاجه بمعزل عن تل أبيب، مما يعمّق شعورها بالتهميش.
صحيح أن بعض المنظومات الأمريكية التي ستُورّد إلى السعودية تحتوي على مكونات إسرائيلية – مثل خوذات الطيار المتقدمة التي تنتجها “إلبيط” أو أنظمة الاستشعار التي تطورها “صناعات الفضاء” – لكن هذا الدور الثانوي لا يعوّض الغياب عن عقود التسليح المباشرة. ووفقًا لمحلل عسكري تحدث إلى ذاماركر، فإن مساهمة الشركات الإسرائيلية في هذه الصفقات ستكون محدودة في أفضل الأحوال، ولا ترتقي إلى المستوى المطلوب.
في المقابل، تحذّر مصادر أمنية إسرائيلية من أن تحوّل الرياض إلى مستورد رئيسي للأسلحة المتقدمة قد لا يبقى ضمن حدود الشراكة مع واشنطن فقط. فعلى المدى الطويل، إذا شعر السعوديون أن مصالحهم تُقيّد داخل البيت الأمريكي، فقد ينفتحوا على مزودين آخرين مثل الصين أو روسيا أو حتى أوروبا. ومن هنا، فإن الاستبعاد الإسرائيلي لا يُعد خسارة تجارية فقط، بل يُضعف قدرة تل أبيب على التأثير في توجهات التسلّح الإقليمي، ويجعلها مراقبًا خارجيًا لصياغة خرائط القوة الجديدة في المنطقة.
مقالات ذات صلة: هل تحققت الصفقات التجارية الضخمة التي وعدت السعودية بها ترمب في 2017؟











