
بعد سنوات طويلة من الوعود والتصريحات، أعلنت وزارة المواصلات أخيرًا عن إطلاق مناقصة رسمية لإقامة نظام أمني جديد في المواصلات العامة لحماية السائقين، في خطوة تأتي عقب تصاعد العنف الذي يستهدف سائقي الحافلات العرب في البلاد، والذي بلغ مستويات خطيرة هذا الشهر.
سيبدأ العمل في النظام الجديد في مرحلة تجريبية في سبع مدن تُسجَّل فيها مستويات مرتفعة من الاعتداءات على السائقين، من بينها القدس وبئر السبع ورهط، حيث تشير شهادات السائقين إلى أنهم باتوا يعملون تحت ضغط دائم، ويتوقعون الخطر في كل وردية.
مدة المرحلة التجريبية نصف عام، على أن يتم لاحقًا توسيع العمل بالنظام الجديد ليشمل كافة أنحاء البلاد حسب نتائج هذه المرحلة. وتشمل الخطة إقامة مركز تحكم ومراقبة، تكون مهمته جمع المعلومات وتوجيه حرّاس الأمن إلى المواقع التي تشهد اعتداءات، وتحليل حالات العنف لتحديد الأوقات والأماكن التي تحتاج إلى تعزيز أمني دائم.
كانت وزارة المواصلات قد وعدت بتنفيذ هذه الخطة قبل أكثر من ثلاث سنوات، وخصصت له عشرين مليون شيكل في ميزانية 2023، لكن التنفيذ الحقيقي سيبدأ فقط الآن بعد تصاعد الاعتداءات على السائقين العرب بشكل غير مسبوق، فخلال الأسابيع الأخيرة وحدها وقعت هجمات متكررة على السائقين العرب، شملت الضرب، والرش بالغاز، وتخريب الحافلات، إضافة إلى أحداث شغب ورشق حجارة شارك فيها مشجعون لكرة القدم في القدس. هذه الاعتداءات عرّضت السائقين والركاب معًا للخطر وأظهرت حجم الفوضى في المواصلات العامة.
وتشير التقارير الصادرة عن بلدية القدس إلى أن 38% فقط من الاعتداءات يتم الإبلاغ عنها، نتيجة انعدام الثقة بين السائقين وشركات الحافلات، وامتناع بعض الشركات عن تسليم تسجيلات الكاميرات إلى الشرطة. وفي هذا الصدد، يقول السائقون العرب، الذين يشكّلون نسبة كبيرة من العاملين في هذا القطاع، إنهم يشعرون بأنهم وحيدون أمام الاعتداءات، في ظل تأخر استجابة الشرطة وغياب الآليات الناجعة لتوثيق الاعتداءات. ويكاد يجمع السائقون على أن غياب الثقة بالشرطة وأجهزة الدولة هو أحد أخطر العوامل التي تعمّق المشكلة، خصوصًا أن الشرطة لا تصل أغلب الأحيان إلى موقع الحادث بالسرعة المطلوبة.
منظمة “قوّة العمال” رحّبت بإطلاق المناقصة أخيرًا، لكنها أكدت أن الطريق ما زال طويلًا لاستعادة ثقة السائقين. وبحسب “قوّة العمال”، يتم إغلاق ثمانين في المئة من ملفات الاعتداءات بدعوى “عدم وجود مصلحة عامة”، ما يجعل السائقين العرب يشعرون بأنهم فريسة سهلة للاعتداءات العنصرية عليهم، ويُطمئن المعتدين بأنهم خارج دائرة المحاسبة. وتؤكد منظمة “قوة العمال” أن أي خطة أمنية لن تنجح إذا لم ترافقها إرادة حقيقية لحماية السائقين العرب، الذين يشكّلون العمود الفقري للمواصلات العامة في مدن البلاد.
السائقون العرب يرون أن الاعتداءات ضدهم ليست مجرد أحداث فردية، بل انعكاس لبيئة اجتماعية وسياسية مشحونة بالعنف والعنصرية والتحريض تُفرّغ غضبها عليهم لكونهم عربًا فقط. ومع استمرار هذا الواقع، تتحول كل وردية في الحافلة إلى مغامرة غير مضمونة العواقب، ليس فقط للسائق بل للركاب جميعًا.
مقالات ذات صلة: ضرب، شتائم وتهديد: أن تكون سائق باص عربي في القدس











