/
/
الاقتصادي الذي لم يسمع به أحد: تعرفوا على العقل المُدبر وراء سياسات ترامب لزعزعة الاقتصاد العالمي

الاقتصادي الذي لم يسمع به أحد: تعرفوا على العقل المُدبر وراء سياسات ترامب لزعزعة الاقتصاد العالمي

أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
ترمب يعرض مخططًا للرسوم الجمركية المتبادلة- الصورة: صفحة البيت الأبيض على موقع فليكر
ترمب يعرض مخططًا للرسوم الجمركية المتبادلة- الصورة: صفحة البيت الأبيض على موقع فليكر

 

حتى سنوات قليلة مضت، لم يكن اسم ستيفن ميرِن يظهر في أي قائمة للخبراء المؤثرين في الاقتصاد الأميركي. لم يُعرَف عنه أنه صاحب نفوذ سياسي، ولم يُنظر إليه كصاحب مشروع اقتصادي قادر على تغيير وجه العالم. لكن هذا الوضع تغيّر بصورة جذرية بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية، إذ تحوّل ميرِن البالغ من العمر 42 عامًا، وهو اقتصادي يهودي أميركي حاصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد، إلى الشخصية الأكثر تأثيرًا في دوائر اتخاذ القرارات الاقتصادية، وإلى العقل الذي يقف وراء السياسات التجارية الشرسة التي دفعت العالم نحو مرحلة جديدة من الاضطراب وعدم اليقين.

بدأ صعود ميرِن في نوفمبر الماضي، مع انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية. في ذلك الوقت كتب وثيقة من أربعين صفحة بعنوان “دليل لإعادة تركيب النظام التجاري العالمي”. لم تحظ الوثيقة باهتمام يُذكَر عند صدورها، لكنها سرعان ما أصبحت بمثابة “الوثيقة الاقتصادية المقدسة” التي اعتمد عليها ترامب في صياغة رؤيته الاقتصادية، متبنيًا إياها بالكامل، ومطلقًا منها استراتيجية تجارية تهدف إلى إعادة تعريف علاقة الولايات المتحدة ببقية دول العالم، وتوسيع استخدام الرسوم الجمركية كسلاح سياسي واقتصادي في الوقت نفسه.

تنطلق رؤية ميرِن من فرضية بسيطة: النظام التجاري العالمي الذي تشكّل خلال العقود الماضية أضرّ بالولايات المتحدة، وسمح لدول أخرى — وعلى رأسها الصين — بتحقيق مكاسب كبيرة على حساب الاقتصاد الأميركي. وبرأيه، فإن واشنطن دفعت ثمنًا باهظًا للحفاظ على الاستقرار المالي العالمي، سواء من خلال العجز التجاري الكبير أو التزاماتها العسكرية في الخارج. لذلك، يرى أن الولايات المتحدة يجب أن تستخدم قوتها الاقتصادية — والدولار تحديدًا — لتغيير قواعد اللعبة وفرض شروط جديدة على الحلفاء والخصوم.

1024px Official portrait of Governor Stephen I. Miran HIGH RES miran stephen 54810191208 cropped
ستيفن ميرِن (42 عامًا)، العقل الاقتصادي لترمب. الصورة: ويكيميديا

 

رؤية اقتصادية تهدف لإضعاف الدولار

أحد الأعمدة المركزية في رؤية ميرِن هو الدعوة إلى إضعاف الدولار بصورة مدروسة. وهو طرح غير مألوف في الأوساط الاقتصادية، لكنه بالنسبة إليه ضرورة لاستعادة القدرة التنافسية للصناعة الأميركية. فمكانة الدولار كعملة احتياط عالمية أدت، برأيه، إلى تضخّم قيمته بشكل يفوق حجمه الاقتصادي الحقيقي، ما أضرّ بالصادرات وأفاد المؤسسات المالية الكبرى أكثر مما أفاد الاقتصاد الحقيقي. وبالنسبة لميرِن، فإن الدولار القوي ليس مصدر قوة، بل عبء يلزم إعادة النظر فيه.

أما المحور الثاني فهو استخدام الرسوم الجمركية بصورة هجومية، لا دفاعية. فبحسب ميرن، ليست الرسوم وسيلة لحماية الصناعة الأميركية فقط، بل أداة ضغط سياسي يمكن توظيفها في ملفات لا علاقة لها بالتجارة، مثل قضايا الأمن والطاقة والتكنولوجيا. وقد انعكس هذا التوجه مباشرة في السياسة الأميركية الجديدة، إذ فرض ترامب رسومًا مرتفعة على سلع أوروبية وكندية، ورفعها على سلع صينية بنسب تجاوزت 100%، في خطوة غير مسبوقة منذ عقود. ونتيجة لذلك شهدت الأسواق العالمية حالة من التوتر الشديد، وبدأت عدة دول تبحث عن خيارات اقتصادية بديلة خوفًا من مزيد من التصعيد.

1024px Stephen Miran is sworn in September 2025
ميرن يؤدي اليمين أثناء تعيينه عضوًا في مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي في 16 سبتمبر 2025. الصورة: ويكيميديا

 

مناصب اقتصادية رفيعة وأفكار متناقضة

المكانة التي يحتلها ميرِن اليوم في البيت الأبيض تعززت أكثر بعد تعيينه رئيسًا لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس، ثم تعيينه عضوًا في مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، ما أثار قلقًا واسعًا داخل الولايات المتحدة وخارجها، لأن الفيدرالي هو المؤسسة التي تحدد أسعار الفائدة، وتتحكم بالسيولة، وتؤثر مباشرة على الاستقرار المالي العالمي. ووصول شخصية ذات توجهات غير تقليدية إلى داخله يطرح أسئلة جدية حول استقلاله، خصوصًا في ظل ضغوط ترامب العلنية لخفض الفائدة دون النظر إلى مخاطر التضخم.

لكن ما يجعل ميرِن مختلفًا ليس موقعه فقط، بل مقاربته الفكرية. فهو يجمع بين أفكار قومية محافظة وأخرى مقتبسة من مدارس اقتصادية تُعتبر يسارية التوجه، خصوصًا فيما يتعلق بضرورة دعم الصناعات التقليدية المحلية. ويرى أن على الولايات المتحدة أن تتخلى عن جزء من التزاماتها العالمية، وأن تركز على إعادة بناء قاعدتها الإنتاجية، حتى لو أدّى ذلك إلى تقويض أسس النظام التجاري الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية. وفي الوقت نفسه، ينتقد السياسات المناخية التي تبنتها إدارة بايدن، ويرى أنها تُضعف الاقتصاد الأميركي وتوجهه نحو مجالات لا ضرورة اقتصادية لها.

أما تأثير أفكاره على أرض الواقع خصوصًا على المدى الطويل، فهو محل خلاف واسع. إذ يرى أنصاره أن أطروحاته تشكّل خطوة ضرورية لتصحيح اختلالات عمرها عقود، وإعادة بناء قوة الولايات المتحدة في مواجهة الصين. بينما يحذر منتقدوه من أن هذه السياسات قد تُدخل العالم في دوامة لا تنتهي من المواجهات التجارية، وترفع الأسعار، وتقلص فرص الاستثمار، وتؤدي إلى زعزعة الاستقرار المالي على مستوى دولي. وبين هذه المواقف المتناقضة، يبدو واضحًا أن ستيفن ميرِن — الاقتصادي الذي لم يسمع به أحد — أصبح اليوم لاعبًا مركزيًا في إعادة تشكيل خريطة الاقتصاد العالمي، وأن تأثيره لن يتوقف عند حدود الولايات المتحدة، بل سيمتد إلى كل دولة مرتبطة بالنظام المالي الدولي.. وإلى جيبك أنتَ أيضًا عزيزي القارئ!

مقالات ذات صلة: صفقات تسليح ضخمة وإنشاء مصانع عسكرية: تقارب غير مسبوق بين ألبانيا وإسرائيل

مقالات مختارة