
تواجه مؤسسة التأمين الوطني أزمة مالية غير مسبوقة تهدد وجودها خلال أقل من عشر سنوات، بعدما وصل العجز في عام 2024 إلى 3.8 مليار شيكل، ويتوقع أن ينتهي العام الحالي بعجز قيمته 8 مليار شيكل. ووفقًا للتقديرات الرسمية، من المتوقع أن يستنفد التأمين الوطني احتياطاته المالية لدى وزارة المالية، التي تبلغ نحو 183 مليار شيكل، في غضون أقل من عشر سنوات إذا لم تُتخذ خطوات فورية لمعالجة الأزمة.
وبحسب تقرير لموقع كالكاليست الاقتصادي، يُعد هذا العجز نتيجة تراكمية لعوامل متعددة أبرزها الشيخوخة المتسارعة لسكان البلاد وارتفاع نفقات الإعانات، خصوصًا مخصصات التمريض والإعاقة. ففي عام 2020، بلغ عدد الأشخاص في البلاد الذين تجاوزوا سن الخامسة والستين نحو 1.1 مليون شخص، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد بحلول عام 2040. كما أن تأجيل رفع سن التقاعد للنساء إلى عام 2031، ليصبح مساويًا لسن تقاعد الرجال عند 65 عامًا، أدى إلى تأخير الزيادة المتوقعة في الإيرادات وتأخير تقليص النفقات.
ومع ارتفاع متوسط العمر المتوقع للشخص إلى 83.8 عامًا، ازداد عدد كبار السن الذين يعتمدون على مخصصات التأمين الوطني مقارنة بعدد الأشخاص العاملين الذين يموّلون هذه المخصصات من خلال رسوم التأمين. ويُعرف هذا الفرق باسم معدل الإعالة، أي نسبة من يتلقون المخصصات المالية إلى من يعملون ويساهمون في تمويلها. وقد بلغ هذا المعدل في عام 2023 نحو 25%، ما يعني أن كل أربعة عاملين تقريبًا يعيلون شخصًا متقاعدًا، ومن المتوقع أن يرتفع المعدل إلى 30% بحلول عام 2040.
وبحسب كالكاليست، فإن العبء الأكبر على ميزانية التأمين الوطني ناجم عن الزيادة الهائلة في عدد مستحقي مخصصات الإعاقة والتمريض. فمنذ تطبيق إصلاحات عام 2018 تضاعف عدد مستحقي مخصصات التمريض من 180 ألفًا إلى 388 ألفًا حتى سبتمبر 2024، وقفزت كلفة هذه المخصصات من 7 مليارات شيكل إلى نحو 21 مليارًا. ويعزو الخبراء هذه القفزة إلى السماح بالحصول على المخصصات نقدًا بدلًا من خدمات الرعاية، إضافة إلى تسهيل شروط الأهلية. أما “مخصصات الإعاقة” فقد ارتفع عدد مستحقيها من 242 ألفًا في 2017 إلى 360 ألفًا اليوم، وقفزت النفقات من 13 مليارًا إلى 36 مليار شيكل. كما شهدت مخصصات الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة قفزة كبيرة بسبب ازدياد حالات تشخيص التوحّد، حيث ارتفع عدد المستفيدين من 100 ألف طفل في 2022 إلى 175 ألفًا هذا العام، وقفزت الكلفة من 2.8 مليار شيكل في 2020 إلى 9.2 مليارات شيكل.

خطر الإفلاس أقرب وتراشق الاتهامات
تقرير التأمين الوطني الأخير كشف أن المؤسسة قد تواجه الإفلاس بحلول عام 2036، أي قبل ثماني سنوات من التقديرات السابقة، عندما تُستنزف جميع الاحتياطات المالية ولا يبقى أي تمويل لتغطية الالتزامات القانونية. وتشير الحسابات إلى أن إصلاحات عام 2018 وحدها قرّبت لحظة الإفلاس بست سنوات إضافية بسبب كلفة مخصصات التمريض والعجز.
وتتبادل وزارة المالية ومؤسسة التأمين الوطني الاتهمات عن المسؤولية عن هذه الأزمة. فوزارة المالية تتهم مؤسسة التأمين الوطني بانتهاج سياسة إنفاق غير مسؤولة، بينما تؤكد المؤسسة أن الوزارة مدينة له بنحو 350 مليار شيكل، تشمل ديونًا تاريخية مثل تمويل عجز إعانات البطالة (83 مليارًا)، ومصاريف (64 مليارًا)، وخفضًا أحاديًا في الفائدة على الأموال المودعة لدى الوزارة (21 مليارًا). هذه الخلافات لم تُحل منذ سنوات، وقد يضطر الصندوق إلى اللجوء للقضاء لاسترداد أمواله. كما تختلف المؤسستان حول حجم الاحتياطات ذاته: فبينما تقول الوزارة إنها بلغت 192 مليار شيكل في نهاية 2023، يقدّرها التأمين الوطني بأكثر من 220 مليارًا.
تتعمّق الأزمة أيضًا بسبب غياب إدارة مستقرة للمؤسسة، إذ لم يُعيَّن مدير عام للتأمين الوطني منذ ثلاث سنوات. ورغم ذلك، تجري لجنة التعيينات مقابلات لاختيار نائب مدير عام لمنصب لا يملك صلاحيات واضحة، وتبلغ قيمة راتبه الشهري نحو 50 ألف شيكل، بحسب موقع كالكاليست.
مقالات ذات صلة: بعد إصلاحات التأمين الوطني عام 2018: قفزة هائلة بنسبة 70% في عدد مستحقي مخصصات التمريض في البلاد











