
تتجه العلاقات بين تركيا وإسرائيل نحو مزيد من التدهور، مع انتقال الخطاب التركي الرسمي من انتقاد الانتهاكات الإسرائيلية في غزة إلى مهاجمة تحالفها المتنامي مع كل من قبرص واليونان في شرق البحر المتوسط. هذا التوتر الجديد يبرز في ظل نشر أنظمة دفاع إسرائيلية متقدمة في قبرص، وتنامي الحضور الإسرائيلي الاقتصادي والسياحي هناك، ما تعتبره أنقرة محاولة لفرض “طوق حصار إسرائيلي” حولها.
وبحسب ما أوردت صحيفة غلوبس، بدأت الأزمة حين أعلنت إسرائيل عن نشر منظومات دفاع جوي من طراز “باراك إم إكس” في جمهورية قبرص، وهو نظام تنتجه شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية بمدى يصل إلى نحو 400 كيلومتر. وتخشى أنقرة أن تؤدي هذه المنظومة، التي تدعي إسرائيل أنها “دفاعية بالكامل” إلى تقييد مجالها الجوي فوق البحر المتوسط. وقد وصفت وسائل إعلام تركية هذا التطور بأنه “احتلال صهيوني لقبرص”، بينما اعتبرت الحكومة التركية أن هذه الخطوة جزء من خطة إسرائيلية–يونانية تهدف إلى محاصرتها من الجنوب والغرب.
تزايدت حدّة الموقف التركي عقب الانتخابات في شمال قبرص التي تُعرَف تركيًا بـ”جمهورية شمال قبرص التركية”، وهي دولة لا تعترف بها سوى أنقرة وتعدّها امتدادًا سياسيًا وأمنيًا لها. ففي هذه المنطقة، تتولى أجهزة الأمن والاستخبارات التركية (MIT) إدارة الملفات الداخلية والخارجية، ما يجعل أي حضور أجنبي حساسًا للغاية. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في شمال الجزيرة، تحوّل موضوع إسرائيل إلى أحد محاور الجدل. فقد صرّح الرئيس المنتهية ولايته، أرسين تتار، المقرّب من الرئيس رجب طيب أردوغان، بأن إسرائيل واليونان “لا تريدانه في منصبه” لأنهما تخشيان علاقاته الوثيقة مع أنقرة، مشيرًا إلى أن الطائرات الإسرائيلية أقلعت من قبرص لشنّ هجمات على الفلسطينيين أثناء الحرب على غزة.
لكنّ تتار خسر الانتخابات أمام منافسه العلماني توفان إرهورمان، الذي وعد بسياسة منسجمة مع التوجهات التركية، مثل جميع من سبقوه. ومع ذلك، أثار فوزه قلق حلفاء أردوغان، إذ دعا زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، البرلمان القبرصي الشمالي إلى التصويت على الانضمام الرسمي لتركيا، في خطوة رمزية فسّرها مراقبون على أنها محاولة للرد على التحالف الإسرائيلي–اليوناني–القبرصي.

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ذهب أبعد من ذلك في مقابلة مع قناة TRT الرسمية التركية، إذ دعا إلى “تفكيك التحالف الثلاثي” ملوّحًا بأن “تركيا ستضرب أولًا” إذا اقتضت الضرورة. وقال إن بلاده تراقب عن كثب “جهود بعض الدول لتطويقها”، مؤكّدًا أن الحكومة تعمل على استراتيجيات دبلوماسية لمواجهة هذا الوضع، لكن إذا فشلت الجهود السياسية “فسيكون الرد بأدوات أخرى”، في إشارة إلى الخيار العسكري.
وبحسب غلوبس، ترى إسرائيل أن تعاونها مع قبرص واليونان “طبيعي وموجه لحماية مصالحها الأمنية والطاقة في شرق المتوسط”، خصوصًا في ظل التنقيب عن الغاز وتزايد الوجود الروسي والتركي في المنطقة. لكن من وجهة النظر التركية، هذا التعاون يشكّل اصطفافًا معادياً لها في منطقة تعتبرها امتدادًا مباشرًا لأمنها القومي.
من جانب آخر، يتقاطع التوتر السياسي مع التنافس الاقتصادي. فقد أعلن الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس مؤخرًا أن بلاده تسعى لأن تكون جزءًا من مشاريع إعادة إعمار قطاع غزة، التي يقدّرها خبراء الأمم المتحدة بنحو 70 مليار دولار. هذا التوجه أثار استياء أنقرة، التي ترى فيه مساسًا بمصالح الشركات التركية التي تطمح بدورها إلى المشاركة في إعادة الإعمار.
ويزداد الغضب التركي مع تنامي الحضور الإسرائيلي في الجزيرة، سواء عبر شركات أو سياح، إذ تشير بيانات رسمية من نيقوسيا إلى أن عدد السياح الإسرائيليين الذين زاروا قبرص في سبتمبر الماضي بلغ 80,115 سائحًا، بزيادة تقارب 47% مقارنة بالشهر نفسه من عام 2024، وهو ما جعلهم على رأس قائمة الزوار الأجانب، إلى جانب البريطانيين والألمان.
مقالات ذات صلة: ديونها تجاوزت 105 مليون شيكل: انهيار شركة إسرائيلية بسبب المقاطعة التركية











