/
/
رئيس أكبر دولة إسلامية يغازل إسرائيل: هل يضع “الانفتاح الاقتصادي” إندونيسيا على طاولة التطبيع؟

رئيس أكبر دولة إسلامية يغازل إسرائيل: هل يضع “الانفتاح الاقتصادي” إندونيسيا على طاولة التطبيع؟

أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
484248565 1197662891727067 4968057013071969972 n
الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو. نفت وزارة الخارجية الإندونيسية زيارته لإسرائيل. الصورة: صفحة الرئاسة الإندونيسية على فيسبوك

رغم العلاقات المقطوعة رسميًا بين إندونيسيا وإسرائيل منذ نشأتها، تشهد الأسابيع الأخيرة تصاعدًا في الأحاديث عن تقارب محتمل بين البلدين، تغذّيه تصريحات ومواقف متناقضة صدرت عن الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو، وعن دوائر سياسية وإعلامية في تل أبيب. فبينما نفت جاكرتا رسميًا وجود أي نية لزيارة سوبيانتو لإسرائيل اليوم الثلاثاء بعد مشاركته في قمة شرم الشيخ حول غزة، يرى مراقبون أن هذا النفي لا يُخفي حقيقة وجود تواصل سياسي محدود ومحسوب، تدفعه اعتبارات اقتصادية وجيوسياسية متشابكة. 

إندونيسيا، أكبر دولة مسلمة في العالم، لم تُقم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ قيامها، لكنها تملك اقتصادًا ضخمًا يضعها في المرتبة السابعة عشرة عالميًا، مع ناتج محلي بلغ نحو 1.4 تريليون دولار عام 2024، ونمو سنوي ثابت يقارب 5%. وتسعى حكومة جاكرتا إلى رفع هذا المعدل إلى 6% في العام المقبل عبر ضخّ سيولة إضافية وتشجيع الاستثمارات الداخلية، ضمن خطة الرئيس سوبيانتو لتحقيق استقلالية اقتصادية في مجالات الطاقة والغذاء والصناعة. هذا الانفتاح الاقتصادي جعل إسرائيل، رغم غياب العلاقات الرسمية، ترى في السوق الإندونيسية فرصة نادرة لتوسيع صادراتها التكنولوجية والزراعية، خصوصًا في ظل تعطش جاكرتا للخبرات في مجالات الذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية الرقمية، والزراعة المتقدمة، والطاقة المتجددة.

وبحسب موقع كالكاليست الاقتصادي، تبرز أهمية التعاون المحتمل أيضًا في مجال البطاريات والسيارات الكهربائية، حيث تمتلك إندونيسيا واحدًا من أكبر احتياطات النيكل في العالم، وهو المعدن الحيوي لصناعة البطاريات. وقد يشكّل هذا القطاع بابًا خلفيًا لتعاون اقتصادي غير مباشر، خاصة إذا اختارت الدولتان السير نحو شراكات محدودة وغير علنية في المرحلة الأولى، حيث يمكن لإسرائيل، بحسب كالكاليست، أن تستورد من إندونيسيا الوقود والزيوت النباتية مثل زيت النخيل، لفتح الباب أمام تبادل تجاري في إطار رمزي أولي، قبل التطبيع الشامل.

1024px Action to Defend Palestine in Jakarta
مظاهرة في جاكرتا منددة بالحرب الإسرائيلية على غزة، الصورة: ويكيميديا

لكن هذا المسار محفوف بالعقبات السياسية والشعبية. فالرئيس سوبيانتو، الذي تسلّم الحكم في أكتوبر 2024 بعد مسيرة عسكرية طويلة، يواجه انتقادات داخلية بشأن سياساته الاقتصادية، واحتجاجات طلابية واجتماعية اتّهمته بإهمال الفقراء وزيادة التضخم. كما أن أي خطوة نحو التطبيع مع إسرائيل تُعدّ في الداخل الإندونيسي تحديًا خطيرًا للوجدان الشعبي المساند تاريخيًا للقضية الفلسطينية. فبعد وقف الحرب في غزة، خرج آلاف المتظاهرين في شوارع جاكرتا احتفالًا بذلك، رافعين شعارات ترفض أي علاقة مع تل أبيب وتدعو الحكومة إلى الحفاظ على موقفها الثابت الداعم للفلسطينيين.

وتجد هذه المعارضة ترجمتها العملية في القرارات الحكومية المختلفة، التي كان آخرها رفض السلطات الإندونيسية الأسبوع الماضي استقبال وفد الجمباز الإسرائيلي المشارك في بطولة العالم التي تستضيفها البلاد حتى الخامس والعشرين من أكتوبر، ما دفع الاتحاد الإسرائيلي إلى رفع دعوى أمام المحكمة الرياضية العليا في سويسرا لإجبار الاتحادين الدولي والإندونيسي على السماح بمشاركة لاعبيه أو نقل البطولة إلى دولة أخرى. ولم يكن هذا الحادث معزولًا، إذ سبق أن فقدت إندونيسيا حق استضافة كأس العالم تحت 20 عامًا في 2023 بسبب معارضة مسؤولين محليين لمشاركة منتخب إسرائيل، كما ألغيت الألعاب الشاطئية العالمية في بالي للسبب نفسه رغم أن التبرير الرسمي كان ماليًا.

لكن في المقابل، يبدو أن فسوبيانتو يحاول جسّ النبض الشعبي في بلاده، فقد أثار الجدل بخطابه في الأمم المتحدة حين تحدث عن ضرورة ضمان أمن إسرائيل خاتمًا خطابه بكلمة “شالوم”، وكان قد صرّح في مايو الماضي بأن بلاده مستعدة للاعتراف بإسرائيل شرط اعترافها بدولة فلسطينية مستقلة، وشارك أمس في قمة شرم الشيخ، وتمّ الإعلان في إسرائيل عن زيارته إلى تل أبيب التي ألغيت كما يبدو في اللحظات الأخيرة. إضافة إلى ذلك، أوردت مصادر إعلامية أن جاكرتا كانت بصدد فتح ممثلية تجارية لها في تل أبيب قبل سنتين، لكن أحداث السابع من أكتوبر وما تلتها من حرب إسرائيلية على غزة أوقفت هذه المساعي.

من الجانب الإسرائيلي، ينظر صانعو القرار إلى إندونيسيا باعتبارها بوابة استراتيجية نحو جنوب شرق آسيا، ليس فقط بسبب حجم اقتصادها وموقعها الجغرافي في قلب سلاسل التوريد الآسيوية، بل أيضًا لأنها قد تمهّد لمرحلة جديدة من الانفتاح الإقليمي بعد انتهاء الحرب على غزة. ويُقال إن ضغوطًا أميركية تُمارَس خلف الكواليس لدفع الجانبين نحو خطوات صغيرة تمهّد لتعاون أكبر في المستقبل، مستفيدة من أجواء إعادة ترتيب التحالفات التي تلت الحرب، فهل نشهد قريبًا رفع العلم الإسرائيلي في جاكرتا؟

مقالات ذات صلة: تقديرات JPMorgan: انتهاء الحرب قد ينعش الاقتصاد الإسرائيلي.. لكن التفاؤل الحذر مطلوب

مقالات مختارة