/
/
“إنفيديا فرع الزرازير”: في هذه البلدة البدوية في الشمال تطوّر شابات عربيات أكثر المنتجات ابتكارًا في الذكاء الاصطناعي

“إنفيديا فرع الزرازير”: في هذه البلدة البدوية في الشمال تطوّر شابات عربيات أكثر المنتجات ابتكارًا في الذكاء الاصطناعي

في المكاتب الصغيرة في البلدة البدوية زرزير، المزيّنة بسجاد حائط والخيزران، تطوّر شابات عربيات، من دون أي خبرة سابقة في الهايتك، واحدًا من منتجات إنفيديا الأساسية. "يمكننا أن نُؤهّل هنا طاقمًا سيمضي معنا لسنوات طويلة إلى الأمام".
أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
1
المركز التكنولوجي زرزير تك، في بلدة زرزير. تصوير: دانييل روليدر

عند مدخل البلدة البدوية الزرازير في الشمال يقع مبنى يعلوه شعار عملاق التكنولوجيا إنفيديا. في الداخل، تتزين جدران المنبى بالخيزرات، وبسجاد بدوي. وما إن ندخل حتى تبدأ الصورة بالاتضحاح: في قلب المبنى هناك مساحة عمل تعمل فيها ثماني شابات عربيات من المنطقة على واحد من منتجات إنفيديا الأساسية: Nvidia Air، وهو نظام يوفّر تنسيقًا رقميًا لمراكز البيانات ويتيح بناءها في عالم افتراضي.

لهؤلاء الشابات قواسم مشتركة عدة: جميعهن مُبَرمِجات، فقد حصلن على لقب أول في علم الحاسوب أو الهندسة بدرجات عالية، وكلهن مبتدئات ويفتقرن إلى الخبرة في قطاع الهايتك. في الواقع، معظمهن لم يجرين مقابلة عمل من قبل، وليس لديهن أي نقطة انطلاق تتيح لهن الدخول إلى عالم الهايتك الإسرائيلي المغلق أصلًا. . إذن، كيف انتهى بهن المطاف للعمل على أحد أكثر المنتجات ابتكارًا في سوق الذكاء الاصطناعي؟

الأمر يعود إلى شراكة بدأ تقريبًا بالصدفة بين إنفيديا و”زرزير تك”، وهو مركز تكنولوجي يقع في البلدة ويوفّر حاضنة تكنولوجية لطلاب المنطقة. يوجد في المركز اليوم عشر موظفات، وسينضم إليهن قريبًا ثلاث أخريات، ليلتحقن بفرق تعمل على مشروعين إضافيين للشركة. هؤلاء الموظفات لم يتم توظيفهن مباشرة من قبل إنفيديا، بل تم توظيفهن وفق نموذج شائع في الهايتك يقوم على التعاقد مع شركة وسيطة ضمن مبدأ يُسمى بالإنكليزية outsourcing. ولكن الجزء الأهم في المشروع هو توجيههن وتدريبهن، ما سيساعد على سد الفجوات لدى المبتدئين التي تعيق توظيفهم. يتم تمويل رواتبهن من قبل إنفيديا وتدفعها زرازير تك، ولكن الأجر ليس بنفس مستوى الأجور في إنفيديا. ومع ذلك، يقول أمير جواميس، المدير التنفيذي لزرزير تك، إن الأجور “مرتفعة نسبيًا مقارنة بخبرتهن وللمنطقة هنا”.

2 3
المركز التكنولوجي “زرزير تك”، تصوير: دانييل روليدر

“على الدوام، كان الطلاب يتواجدون في هذا المركز، وكنا نقدم دورات في التكنولوجيا والروبوتيكا، لكننا مررنا بجائحة كورونا ثم الحرب، وأدركت أن عليَّ أن أجذب شركات الهايتك إلى هنا”، يقول جواميس، الذي رأى كيف يجد الطلاب في المنطقة صعوبة في الاندماج بقطاع التكنولوجيا عندما يكبرون.

“طلبت من صديق لي أن يربطني بإحدى شركات الهايتك، فقال لي من داخل سيارته ‘اسمع، سجّل رقم هاتف شخص اسمه عميت (عمِيت كريغ، مدير مركز التطوير لإنفيديا في إسرائيل). لم يذكر لي صديقي اسم إنفيديا، ولم يكن لدي أي فكرة مع مَن أتصل. اتصلت بعمِيت، أجرينا محادثة استمرت ساعة، ثم قال لي: ‘والله اسمع، ما تقوله مثير للاهتمام’. بعد يومين زارنا هنا كلٌّ من عميت كريغ، وميخائيل كاغان، نائب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في إنفيديا، وبدأنا”.

“في البداية لم تُقبَل أي موظفة”

لكن، وكما هو الحال في أي مشروع طموح، لم تكن البداية سلسة كما هو متوقع. الهدف كان العثور على عشر شابات عربيات من المنطقة، ممن يمتلكن التعليم المناسب، ومنحهن نقطة انطلاق للاندماج في مجال الهايتك، والانضمام إلى فرق التطوير في إنفيديا. لكن، لم تقبل أي شابة من عشرات الشابات اللواتي حضرن إلى المقابلات.

3 1
أمير جواميس، تصوير: دانييل روليدر

أسيل نِمِر (26 عامًا) من الناصرة كانت من أوائل من أجرين مقابلة عمل ضمن هذا المشروع. تخرجت بلقب أول في علم الحاسوب من جامعة أريئيل، ولكن لسوء حظها، كان ذلك عام 2022 – بالضبط عندما بدأ التباطؤ في التوظيف بقطاع الهايتك. بحثت عن وظيفة تتناسب مع مؤهلاتها لمدة عامين، دون جدوى”. تقول أسيل: “كنت أعلم أن إيجاد وظيفة سيكون مهمة صعبة لأنه لم يكن لدي خبرة، قدّمت للكثير من الوظائف، وفي البداية كانوا يتصلون بي، لكنّ ذلك توقف. شاركت أيضًا بدورات تدريبية لأكون جاهزة لمقابلات العمل، لكن بلا جدوى. وعندما علمتُ أن هناك مشروعًا مع إنفيديا، أرسلت سيرتي الذاتية،وأجريتُ المقابلة، لكن للأسف لم أُقبَل، إذ لم أكن مستعدة للمقابلة”.

في هذا الصدد، يقول شَغاي روتِم، نائب رئيس هندسة البرمجيات وأحد كبار مسؤولي إنفيديا في إسرائيل، الذي يدير المشروع مع “زرزير تك”: “لم يكن يوم المقابلات الأول ناجحًا. خفّضنا المعايير في البداية، لكن مع ذلك، لم تُقبَل أي واحدة. كُنّ فعلاً غير مستعدات، خجلن من الحديث، وكان الأمر صعبًا جدًا. اضطررنا للتفكير فيما سنفعله لاحقًا، هل نستمر أم نتوقف. عندها اقترحنا لهن تدريبًا مدته شهران عبر جمعية “צופן تشبيك” لخمس ساعات يوميًا، تضمن دورات للتحضير لمقابلات العمل، وإدارة لقاءات عبر الزوم، واللغة الإنجليزية التقنية، وغيرها، وشاركنا في تمويله”.

بعد هذا الكورس، عادت نِمِر لمقابلة أخرى مع روتِم وداڤيد ماركس، رئيس فريقها الحالي. وقد استوعبت جيدًا الدروس التي تعلمتها خلال هذين الشهرين، وتم قبولها في الوظيفة، إلى جانب سبع شابات أخريات. اليوم تكمل عامها الأول في الفريق، وهي تشرف أيضًا على موظفات جديدات انضممن بعد ذلك.

4
الصورة: دانيال روليدر

يقر جواميس بأن هذه الفترة ليست فترة سهلة لتشجيع توظيف النساء العربيات في قطاع التكنولوجيا. في بعض الأماكن، أدت الحرب إلى اهتزاز العلاقات بين الموظفين اليهود والعرب في أماكن العمل، كما أن الأجواء العالمية التي غذتها عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، أدت إلى أن تصبح قيم التنوع في أسفل قائمة أولويات الشركات.

يقول جواميس: “هناك أشخاص يفتحون الأبواب للموظفين العرب أيضًا، وهناك من لا يفعلون. لكنكِ بالتأكيد ترين حالات ترُمى فيها السيرة الذاتية لشابة اسمها فاطمة، بينما تُقبل السيرة الذاتية لأخرى اسمها أوديليا، بغض النظر عما درسته. ففي النهاية، خدمت أوديليا في الجيش، سافرت إلى الخارج، وعادت للبحث عن عمل، وهذه فجوات يجب على فاطمة سدها. هناك أيضًا مسألة العادات والتقاليد هنا، فهناك فتيات يأتين لإجراء مقابلة عمل مع والدهنّ أو أخيهنّ”.

وفقًا له، فإن المشروع قد انتشر بالفعل في المنطقة، ولديه الآن 200 سيرة ذاتية لشابات عربيات يرغبن في الانضمام إلى المشروع. الطموح في الوقت الحالي هو استيعاب 40 شابة، ومن ثم دراسة كيفية المضي قدمًا. في هذه الأثناء، تكتسب نمر وزميلاتها الخبرة يضفن مهارات مثيرة للإعجاب في سيرتهن الذاتية.

5
مقر إنفيديا في يوكنعام. تبحث عن مكان جديد للتوسع في الشمال. الصورة: بإذن من NVIDIA

يتعلّمن هايتك — ويعملن في التدريس

يؤكد روتِم أن الوضع الحالي يمثل فائدة للطرفين، فكل من النساء وإنفيديا تستفيدان من هذا التعاون. يقول: “لدينا هنا نساء يساهمن ويعملن على المشروع الذي نريد دفعه قُدمًا، وهناك أيضًا عنصر تطوير المجتمع والمحيط الاجتماعي. جميعهن خريجات أكاديميات، وعلى المدى البعيد يمكننا أن نُؤهّل هنا فريقًا إضافيًا يُشكّل امتدادًا لفريق البحث والتطوير (R&D) لدينا، ليمضي معنا خلال سنوات طويلة”.

إنفيديا، التي يقع مقرها الرئيسي في إسرائيل في يوكنعام، أعلنت بالفعل أنها تبحث عن مكان جديد للتوسع فيه في إسرائيل، وأن هذا المكان سيكون في منطقة الشمال — حيث تتركز نسبة عالية من السكان العرب. ومع ذلك، حين سُئل روتِم، الذي يعمل بنفسه في مقر يوكنعام ويعيش في المنطقة، عمّا إذا كان المشروع مخصصًا للتوسع بشكل يشمل هذه الفئات السكانية، أجاب بأن هذا ليس هو الهدف المباشر: “نحن نؤمن كثيرًا بمنطقة الشمال، لكن التوجه إليها لا يقتصر على هذه الفئة السكانية — هذه هي المتروبولين الثالثة من حيث الحجم في البلاد. يوجد في إنفيديا اليوم موظفون عرب بنسبة تفوق نسبتهم في قطاع الهايتك، وبعضهم يأتي أيضًا من القرى في الجليل”.

معدل تشغيل النساء العربيات منخفض نسبيًا مقارنةً ببقية السكان (رغم أنه في منحى صعودي)، وحتى اللواتي يعملن منهن لا يعملن في وظائف ذات إنتاجية عالية، مثل وظائف الهايتك. ووفق قاعدة بيانات مجموعة SFI، فإن نحو 2,500 امرأة عربية فقط تعمل اليوم في قطاع الهايتك، مقارنة بـ7,600 رجل عربي، — رغم أن النساء لديهن تعليم جيد.

جزء كبير من الفجوات في تشغيل النساء العربيات يرتبط بثقافة العمل في الهايتك، وبالبُعد — الجغرافي والثقافي — عن نمط الحياة الذي اعتدن عليه. ففي كثير من الحالات، لكي تعمل المرأة في قطاع الهايتك، عليها أن تخرج من بلدتها، وتسافر إلى المركز، وهو ما قد يدفع بعضهن للتنازل عن الوظيفة. ويعتقد جواميس أن حقيقة أن هذا المشروع يسمح لموظفاته بالعمل داخل مجتمعهن سيساعدهن على اتخاذ هذه الخطوة نحو دخول هذا المجال.

مقالات ذات صلة: افتتاح أول حاضنة تكنولوجية للنساء البدويات في النقب

“الهدف: الوصول إلى مستوى مبتدئ في إنفيديا”

سارة زريقي (24 عامًا) خريجة لقب أول في علم الحاسوب من جامعة حيفا. خلال دراستها، ساعدت الطلاب في امتحانات البجروت في الحاسوب والفيزياء، وبعد تخرجها لم تحاول حتى البحث عن عمل في قطاع الهايتك. تقول: “كنت أنتظر فرصة جيدة، لم أرغب في إرسال سيرتي الذاتية إلى أي وظيفة أصادفها”. عملت في مشروع تكنولوجي لمدة أربعة أشهر في إحدى صناديق المرضى، ثم عملت معلمة حاسوب في بلدتها كفر كنا.

وصلت زريقي إلى مقابلة مع كبار مسؤولي إنفيديا بعد أن عملت بالفعل في عدة وظائف (لكنها لم تجرِ مقابلة عمل لوظيفة هايتك كلاسيكية من قبل)، وقُبلت من المرة الأولى. تعترف: “بصراحة، لم أكن خائفة كثيرًا، وسارت الأمور على ما يرام”. أصبحت جزءًا من مشروع كان قد بدأ العمل بالفعل، مع شابات كن يعملن ويمكنهن إرشادها، ولذلك كانت فترة تدريبها أقصر. وكان أسيل هي أول من تعرفت عليه عند وصولها، ومنذ ذلك الحين تعملان معًا في نفس الفريق.

6
تصوير: دانييل روليدر

“لقد جئت إلى هنا بدون أي خبرة على الإطلاق – لم أكن أعرف كيف أتعامل مع مهمة جديدة، أو كيف أبحث في الموضوع لأبدأ بعد ذلك العمل عليها” تقول سارة. وتضيف: “يجب أن تعرفي كيف تتحدثين مع الجهات ذات الصلة بالمشروع، ومتى تتصلين برئيس الفريق، وأن تتعلمي الثقافة التنظيمية. هذه الأمور ليست بديهية على الإطلاق. أنا ما زلت في بداية مسيرتي، وأحاول التعلم وتطوير نفسي”.

عندما سُئلت كلٌّ من سارة وأسيل عما إذا كانتا على دراية بالفجوة في الأجور بينهما وبين بقية فريق “إنفيديا إير”، أجابتا بأنهما تعرفان جيدًا مستوى الأجور في إنفيديا، وتؤمنان بأنهما ستتمكنان من الوصول إلى أجر مماثل قريبًا. تقول زريقي: “نحن نعرف أننا نعمل عبر شركة وسيطة وبالتالي رواتبنا أقل من موظفي إنفيديا المباشرين، لكننا بالمقابل نحصل على تدريب وخبرة وفرصة للدخول إلى عالم الهايتك، وهذا جعلنا نتقبل الأمر. وعندما تحدثنا مع المديرين عن تحسين الرواتب والامتيازات، أكدوا لنا أن ذلك ممكن ومطروح للنقاش”.

وبحسب روتِم، فإن الهدف في الوقت الحالي هو إيصالهن إلى مستوى موظفات “جونيور” في إنفيديا. وهو يؤكد أن من تنجح منهن في ذلك، ستتمكن من العمل مباشرة في إنفيديا، أو “أي شركة هايتك أخرى تختارها”.

المقال منشور في وصلة بإذن خاص من صحيفة The Marker

مقالات مختارة