
تشهد إسرائيل لحظة غير مسبوقة في سياستها النقدية منذ فترة طويلة، بعد أن خفّض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة إلى 4.25% للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، وهو مستوى أدنى من الفائدة في إسرائيل التي ما تزال عند 4.5%. وبينما يتوقع الفيدرالي مزيدًا من الخفض بما لا يقل عن نصف نقطة مئوية حتى نهاية العام، يبدي خبراء الاقتصاد شكوكًا كبيرة في قدرة بنك إسرائيل على السير في المسار نفسه قريبًا.
منذ اندلاع أزمة التضخم العالمية عام 2022 التي دفعت البنوك المركزية إلى رفع الفائدة بشكل تاريخي، أقدم بنك إسرائيل على خفض وحيد في يناير 2024 بمقدار 0.25%، ليستقر المعدل عند 4.5%. ومع استمرار حالة عدم اليقين الأمني وارتفاع التضخم المحلي إلى 3.1%، يرى الاقتصاديون أن قرار خفض جديد في اجتماع 29 سبتمبر غير مضمون، وحتى لو تحقق فلن يكون بمستوى الخفض الأميركي المتوقع، ما يبقي الفجوة قائمة وربما آخذة بالاتساع.
هذه الفجوة بين أسعار الفائدة لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد بحسب موقع غلوبس الاقتصادي. إذ عادةً ما يجذب الفارق في العوائد المستثمرين الأجانب نحو السندات المحلية ذات الفائدة الأعلى، ما يزيد الطلب على العملة المحلية ويؤدي إلى تقوية الشيكل. من الناحية النظرية، يعود الشيكل القوي بالفائدة على المستهلكين عبر خفض أسعار السلع المستوردة، وتقليص الضغوط التضخمية وتعزيز القدرة الشرائية. لكن هذا المشهد ليس ورديًا بالكامل؛ إذ أن قوة العملة تضر بالقدرة التنافسية للصادرات وتضعف أرباح الشركات المصدّرة، ما قد ينعكس سلبًا على النمو وفرص العمل على المدى الطويل.
أما في سوق السندات، فإن العوائد المرتفعة تجعل السندات الحكومية الإسرائيلية أكثر جاذبية بحسب غلوبس، لكن ارتفاع أسعارها بفعل الطلب يؤدي مع الوقت إلى تراجع العائدات الفعلية. ما يهم المستثمرين في النهاية هو الفائدة الحقيقية، أي الفائدة بعد خصم التضخم. وفق تقديرات بنك إسرائيل، سيبلغ التضخم خلال الأرباع الأربعة المنتهية في الربع الثاني من العام القادم 2.2%، ما يعني أن الفائدة الحقيقية ستصل إلى 2.3% إذا بقيت الفائدة عند 4.5%. حاليًا تقف الفائدة الحقيقية عند 1.4%، وهي أعلى من نظيرتها في الولايات المتحدة حيث من المتوقع أن تهبط إلى 1.1% بعد خفضي الفائدة المرتقبين. مؤسسات دولية مثل UBS تتوقع أن تنخفض هذه العوائد أكثر مع تحول الفيدرالي الأميركي نحو سياسة نقدية توسعية.

رغم أن العوامل النقدية مؤثرة، فإن سوق العملات يتأثر أيضًا بملفات أخرى مثل الوضع الجيوسياسي، وتوازن المدفوعات، والسياسات المالية الحكومية. محللون تحدثوا إلى موقع غلوبس يشيرون إلى أن خطوات الحكومة الإسرائيلية، خصوصًا في السنة الانتخابية، قد تثير مخاوف المستثمرين إذا اعتُبرت غير مسؤولة ماليًا. هذه العوامل، إلى جانب الحرب المستمرة في غزة، تجعل تأثير الفائدة أقل وضوحًا على الشيكَل في المدى القريب.
مقارنة مع بقية العالم، فإن دولًا متقدمة عدة سبقت إسرائيل في التخفيف النقدي. في منطقة اليورو الفائدة عند 2.15%، في بريطانيا 4%، وفي كندا 2.75%. إذا ظلت إسرائيل متأخرة في هذا المضمار، ومع فائدة عند 4.5% مقابل 3.75% أو أقل في الولايات المتحدة بنهاية العام، فقد تصبح صاحبة الفائدة الأعلى بين الاقتصادات المتقدمة، وهو ما سيزيد من قوة الشيكَل ويدفع نحو خفض تكاليف الاستيراد.
لكن في الجانب الآخر من المعادلة، الفائدة المرتفعة تستمر في الضغط على الاقتصاد المحلي. سوق العقارات في حالة جمود بسبب الكلفة الباهظة للتمويل، والمطورون يجدون صعوبة في إطلاق مشاريع جديدة. أصحاب القروض السكنية يواجهون أقساطًا شهرية أثقل، فيما تزداد صعوبة الحصول على الائتمان للأسر والشركات الصغيرة والمتوسطة. ورغم هذه الأعباء، يرى بنك إسرائيل أن التضخم المرتفع أخطر بكثير على الشرائح الضعيفة، ما يجعل الفائدة المرتفعة أداة ضرورية للجم الأسعار.

وزير المالية بتسلئيل سموتريتش انتقد علنًا سياسة البنك المركزي، ملوّحًا بخفض الضرائب إذا لم يتم خفض الفائدة قريبًا، غير أن التجارب السابقة، بحسب غلوبس، تشير إلى أن خطوات كهذه تزيد العجز وتؤجج التضخم بدلًا من كبحه، ما قد يعقّد مهمة البنك المركزي أكثر.
في النهاية، تبقى معادلة السياسة النقدية الإسرائيلية معقدة، إذ تتشابك عوامل محلية كالتضخم والأوضاع الأمنية، مع تطورات عالمية كاتجاه الفيدرالي الأميركي للتيسير. وبينما يرى محللون أن الفجوة في الفائدة مع الولايات المتحدة قد تكون محسوبة ومُدمجة بالفعل في الأسواق، فإن أي انحراف عن التوقعات أو استمرار الحرب والعجز المالي قد يقلب الصورة رأسًا على عقب.
مقالات ذات صلة: سجال علني بين سموتريتش وبنك إسرائيل: “إما خفض نسبة الفائدة أو تقليص الضرائب”











