
شهدت مداولات الحكومة قرارًا مثيرًا للجدل يتعلق بإعادة توجيه ميزانيات ضخمة كان يفترض أن تُخصص لمشاريع اقتصادية وتنموية في شرق القدس. فبدلًا من الاستثمار في برامج تشجيع التشغيل وزيادة الإنتاجية، سيتم تحويل ما يقارب 57 مليون شيكل إلى أغراض أخرى، بينها احتفالات ومناسبات دينية يهودية، وهو ما يُعَدُ تعبيرًا واضحًا عن أولوية الحفاظ على تماسك الائتلاف الحاكم على حساب المشاريع الاقتصادية التي تهم المواطين فعلًا.
المقترح الذي عُرض على طاولة الحكومة جاء ضمن ترتيبات توزيع الميزانيات التي تُستخدم عادة كأداة لضمان دعم الكتل الداعمة للائتلاف، وخصوصًا الأحزاب الحريدية. وعلى الرغم من أن وزير “شؤون القدس والتراث” السابق مئير بوروֹش قد ترك منصبه، فإن الحكومة ما زالت تواصل تمرير ميزانيات وزارته. ورغم طرح الخطة في الاجتماع الأسبوعي للحكومة، تقرر تأجيل التصويت عليها لمدة أسبوع على الأرجح بسبب كثرة البنود والتفاصيل التي تتضمنها.
التفاصيل تكشف أن المبلغ الأساسي، البالغ 57 مليون شيكل، سيُقتطع من خطط خمسية وضعتها وزارة شؤون القدس والتراث بهدف رفع مستويات التشغيل والإنتاجية في شرق القدس. هذه الخطط كانت ستوفر دعماً اقتصادياً للسكان العرب في القدس، وأوصت بها الجهات الأمنية أيضًا لتقليل التوترات والحد من احتمالات تصاعد العنف.
التخفيضات تشمل 34 مليون شيكل من ميزانيات مخصصة للتشغيل في مجالات إنتاجية عالية، و5 ملايين شيكل من مشاريع تشغيل عامة، و8.5 ملايين شيكل من ميزانية المباني العامة في شرق القدس، إضافة إلى نحو 7 ملايين شيكل من مشاريع مرتبطة بالمجال العام، فضلاً عن اقتطاعات من برامج أخرى.
وفي محاولة لمنح القرار غطاءً رسميًا يربطه بسكان شرق القدس، نص البند الأول من الخطة على تخصيص 27 مليون شيكل (من أصل 57 مليون شيكل) لما وُصف بأنه “حلول بديلة في مجالي الصحة والتعليم عوضًا عن خدمات وكالة الأونروا”، وذلك استنادًا إلى قرار حكومي صدر في يونيو 2024. غير أن نص القرار لم يوضح طبيعة هذه الحلول البديلة ولا الجهات التي ستتولى تنفيذها.
في الوقت ذاته، ستوجَّه 14 مليون شيكل (من أصل 57 مليون شيكل) إلى برامج متفرقة، بعضها لا يمت بصلة إلى احتياجات شرق القدس، مثل دعم نشاطات مؤسسة “يد يتسحاق بن تْسفي” وتشجيع زيارات إلى حائط البراق. وستحول 11 مليون شيكل إلى أهداف مرتبطة باحتياجات سياسية ائتلافية، تشمل تمويل إضافي لاحتفالات “لاغ باعومر” على جبل ميرون (الجرمق)، وستحول الـ5 ملايين شيكل المتبقية لفعاليات مختلفة تنظمها وزارة “شؤون القدس والتراث”، منها حفلات “بات متسفا” (بلوغ البنات) وبرامج تعنى بالتراث اليهودي.
النتيجة النهائية تكشف أن الحكومة فضّلت مجددًا تعزيز استقرارها الائتلافي من خلال توجيه عشرات ملايين الشواكل إلى مشاريع قريبة من قلوب شركائها السياسيين، خصوصًا الأحزاب الحريدية، وذلك على حساب مبادرات كان يُنظر إليها على أنها ضرورية اقتصاديًا وأمنيًا لسكان شرق القدس وللاقتصاد الإسرائيلي عمومًا.
مقالات ذات صلة: صفر شيكل قيمة ما حوّلته “وزارة شؤون القدس والتراث” ضمن خطة خمسية لتقليص الفجوات في القدس الشرقية











