
اندلع سجال علني جديد بين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وبين محافظ بنك إسرائيل البروفيسور أمير يارون، على خلفية السياسة النقدية والجدل حول خفض الفائدة. سموتريتش صعّد لهجته خلال لقائه مع قيادات القطاع التجاري، مؤكدًا أن “المحافظ كان يجب أن يخفض الفائدة منذ فترة طويلة”، مهددًا بأنه إذا لم يفعل فسوف يتجه إلى تخفيض الضرائب لتخفيف الضغط عن الاقتصاد.
سموتريتش شدد على أنه يعترف بأهمية استقلالية بنك إسرائيل، وقال إن استقلال المحافظ “حجر أساس في اقتصاد حديث مثل اقتصادنا”، لكنه أضاف أن للمحافظ صلاحياته في السياسة النقدية، بينما السياسة المالية تقع على عاتقه شخصيًا، ولذلك إذا لم تُخفض الفائدة “فلن يكون من خيار سوى خفض الضرائب”. الوزير لمّح إلى أنه يدرس بالفعل في إطار موازنة 2026 خطوات لتوسيع الإعفاء من ضريبة الاستيراد على الطرود القادمة من الخارج حتى 150 دولارًا، وأكد أنه لا يعتزم إلغاء أي إعفاء ضريبي قائم.
مع ذلك، يرى خبراء الاقتصاد أن هذه الخطوة ستكون محفوفة بالمخاطر. فالعجز المتوقع في موازنة 2026 يقارب 4% في أفضل السيناريوهات، وهو ما لا يسمح بخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي. وسيؤدي خفض الضرائب إلى زيادة السيولة النقدية، أي إلى ضخ أموال إضافية لشراء نفس كمية السلع والخدمات، الأمر الذي يخلق ضغطًا تضخميًا. وفي غياب نية لدى وزير المالية لتقليص الإنفاق الحكومي بنفس القدر، فإن النتيجة المرجحة هي ارتفاع التضخم، زيادة العجز وتفاقم الدين العام، ما قد يرفع أسعار الفائدة ويضعف الشيكل.
سموتريتش اتهم المحافظ بـ”المحافظة المفرطة”، لكنه أقر أن المسؤولية مرتبطة بالصلاحيات. وإذا ارتفعت الأسعار بعد أي خطوة ضريبية، فالمساءلة ستقع في النهاية على بنك إسرائيل، إذ أنه قانونيًا الجهة المسؤولة عن استقرار الأسعار.
رد بنك إسرائيل
من جانبه، رد البنك المركزي ببيان أوضح فيه أن قراراته تستند فقط إلى معايير مهنية، مشيرًا إلى أن “التضخم المرتفع يضر أولًا بالفئات الضعيفة، وضبطه شرط أساسي لنشاط اقتصادي سليم”، مضيفًا أن “المسؤولية المالية ضرورة الساعة”.
في أغسطس أبقى بنك إسرائيل سعر الفائدة عند 4.5% للمرة الثالثة عشرة على التوالي، مؤكدًا أن أي خفض سيُقرر فقط إذا واصل التضخم التراجع إلى داخل نطاق الهدف المحدد بين 1% و3%. البيانات الأخيرة تظهر أن التضخم السنوي في يوليو بلغ 3.1%، بينما ظلت “الأسعار الأساسية” (باستثناء الغذاء والطاقة) عند مستوى 3.5%، أي أعلى من الهدف بنصف نقطة. الأكثر إثارة للقلق أن أسعار السلع المتداولة دوليًا ارتفعت للشهر الثاني على التوالي، في وقت كان يُفترض أن تسهم في تخفيف الضغوط التضخمية.

المحافظ أمير يارون شدد في مقابلات سابقة على أن “خفض الفائدة يجب أن يتم بشكل متدرج ومنتظم، لأن تكلفة الخطأ ستكون باهظة”. وأوضح أن أي تسرع في خفض الفائدة قد يؤدي إلى عودة التضخم بسرعة، وهو سيناريو تصعب معالجته لاحقًا. وأضاف أن الأسواق تعكس بعض التحسن في الأوضاع الجيوسياسية، لكن المخاطر لا تزال قائمة، سواء من قرارات دولية مثل الرسوم الجمركية الأمريكية أو من تحركات سياسية كزيارة رئيس الحكومة إلى واشنطن.
المشهد إذن يعكس مواجهة مفتوحة بين نهجين اقتصاديين متناقضين: وزير المالية الذي يريد تخفيف العبء فورًا على السوق حتى بثمن المخاطرة بارتفاع الأسعار، ومحافظ البنك المركزي الذي يفضّل التروي والحفاظ على استقرار طويل المدى حتى لو بقيت الفائدة مرتفعة. والنتيجة النهائية لهذا “الصراع” سترسم وجه الاقتصاد الإسرائيلي.
مقالات ذات صلة: لماذا تراجعت السيولة في يد المواطنين إلى مستويات ما قبل كورونا؟ وما تأثير ذلك على الأسعار؟











