/
/
لماذا لا تستغل الجمعيات العربية تصريح 46أ لتحسين استقرارها المالي؟

لماذا لا تستغل الجمعيات العربية تصريح 46أ لتحسين استقرارها المالي؟

أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands

رغم أهمية تصريح 46أ كأداة استراتيجية لتعزيز الاستقلال المالي والثقة المؤسسية، إلا أن المعطيات الميدانية تكشف عن فجوة مقلقة في واقع الجمعيات العربية في البلاد: 2% فقط من الجمعيات التي تحمل تصريح 46أ هي جمعيات عربية.

موروثنا الثقافي والديني يحثّنا دومًا على فعل الخير دون رياء أو مجاهرة، ولهذا نرى أن كثيرًا من أهل الخير في مجتمعنا يُفضّلون التبرع للجمعيات والمؤسسات الخيرية دون الإعلان عن هذا التبرع. لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن هذه التبرعات قد تمنح المتبرع أيضًا امتيازات ضريبية ملموسة، أبرزها إمكانية خصم مبلغ التبرع من الدخل الخاضع للضريبة، في حال كانت الجمعية أو المؤسسة الخيرية حاصلة على ما يُعرف بـ”تصريح 46أ” من سلطة الضرائب في إسرائيل.

chari
التبرعات قد تمنح المتبرع أيضًا امتيازات ضريبية ملموسة، إذا كانت المؤسسة الخيرية حاصلة على “تصريح 46أ”

ما هو تصريح 46أ؟

تصريح 46أ (بالعبرية 46א) هو موافقة رسمية تصدرها سلطة الضرائب في إسرائيل للجمعيات والمؤسسات غير الربحية التي تستوفي شروطًا قانونية وتنظيمية دقيقة. هذا التصريح يمنح المتبرعين – أفرادًا وشركات – الحق في الحصول على خصم ضريبي مقابل التبرعات التي يقدمونها لتلك الجمعيات. بعبارة أبسط، إذا كانت الجمعية تملك تصريح 46أ، فإن المتبرع لهذه الجمعية يحصل على استرجاع مالي من الدولة يعادل حتى 35% من قيمة التبرع، بشرط أن يكون التبرع بمبلغ لا يقل عن حد أدنى تحدده القوانين سنويًا.

بالإضافة إلى المنفعة الضريبية المباشرة التي يحصل عليها المتبرع عند تقديم تبرعه لجمعية تمتلك تصريح 46أ، فإن هذا التصريح يُعتبر أيضًا شهادة على مصداقية الجمعية وشفافيتها. فالحصول عليه يتطلب من الجمعية تقديم تقارير مالية مفصّلة، والإثبات أنها تعمل لصالح الجمهور ولا تسعى للربح، وتخضع لرقابة قانونية وتنظيمية صارمة.

وبالتالي، عندما يختار المتبرع دعم جمعية تحمل هذا التصريح، فإنه لا يساهم فقط في دعم مشروع خيري أو مجتمعي، بل يضمن أيضًا أن تبرعه يُدار بمسؤولية وفي إطار قانوني واضح. هذا يمنح المتبرع راحة البال ويُعزز الثقة في أن أمواله تُستخدم بشكل سليم وناجع.

معيار مهنية ومصداقية للجمعيات

بالنسبة للجمعيات، فإن حصولها على هذا التصريح لا يعني أنها تستجيب للمعايير القانونية والرقابية فحسب، بل يفتح أمامها أيضا فُرصاً كبيرة لتجنيد الأموال والتبرعات من أفراد أو شركات تشترط وجود هذا التصريح لتقديم أي دعم مالي. بكلمات أخرى، يُعتبر تصريح 46أ رافعة قوية للجمعيات والمؤسسات الخيرية في سعيها لتوسيع نشاطها وجذب المزيد من التبرعات.

charity
الحصول على هذا التصريح يفتح أمام الجمعيات الخيية فُرصاً كبيرة لتجنيد الأموال والتبرعات من أفراد أو شركات

حقائق ميدانية تكشف الحاجة للتغيير

رغم أهمية تصريح 46أ كأداة استراتيجية لتعزيز الاستقلال المالي والثقة المؤسسية، إلا أن المعطيات الميدانية تكشف عن فجوة مقلقة في واقع الجمعيات العربية في إسرائيل. فبحسب تقرير صادر عن جمعية “قدرة”- شبكة المتبرعين العرب، فإن من بين أكثر من 10,000 جمعية تحمل تصريح 46أ في البلاد، فقط 206 منها جمعيات عربية – أي ما لا يتجاوز 2% من الإجمالي، رغم أن المجتمع العربي يشكل نحو 21% من السكان.

واستنادًا إلى استطلاع أجرته الشبكة بين عشرات الجمعيات العربية، تبين أن أكثر من نصف الجمعيات لا تمتلك التصريح إطلاقًا، و84% منها لم تتقدّم بطلب للحصول عليه، غالبًا بسبب نقص في المعرفة أو الموارد أو الوقت.

وتعقيبا على هذه المعطيات يقول أحمد مهنا، مدير عام شبكة قدرة: “هذه الأرقام تؤكد أن الفرص المتاحة غير مستغلة، وأن هناك حاجة ملحّة لرفع الوعي، وتوفير أدوات عملية تساعد الجمعيات العربية على الدخول إلى هذا المجال، والاستفادة من الإمكانيات الهائلة التي يتيحها تصريح 46أ على مستوى التمويل، الاستدامة، والتأثير المجتمعي.”

أحمد مهنا
أحمد مهنا مدير عام شبكة قدرة

 

هذا النقص في الوعي يشكّل فرصة ضائعة – لكنه أيضًا دعوة واضحة للعمل والتغيير. فكل جمعية عربية تملك الإمكانية لأن تتحوّل إلى نموذج يُحتذى به في الشفافية والاستدامة المالية، فقط إذا عرفت الطريق واتخذت الخطوة الأولى.

رفع مستوى الوعي في هذا المجال – لدى الجمعيات والمتبرعين على حد سواء – قد يشكل تحولًا مهمًا في ثقافة التبرع والعمل الخيري داخل مجتمعنا، ويُساهم في تعزيز الاستدامة المالية للمؤسسات الفاعلة على الأرض.

مقالات ذات صلة: هكذا تبني “قدرة” شبكة للعطاء المنظّم لدعم الصحة النفسية في المجتمع العربي

موقع شبكة قدرة: https://qudra-apn.org/

مقالات مختارة