للمرة الأولى منذ عامين، قررت اللجنة النقدية في بنك إسرائيل، برئاسة المحافظ البروفيسور أمير يارون، خفض سعر الفائدة في السوق بنسبة 0.25% إلى مستوى 4.25%. وجاء هذا القرار في ظل تباطؤ واضح في نسب التضخم واستقراره ضمن نطاق الهدف الذي حدده البنك، ما يشكّل إشارة مهمة للأسواق بأن السياسة النقدية لبنك إسرائيل بدأت تتجه بحذر نحو مسار جديد. وفي مقابلة حصرية مع وصلة شرح المحافظ خلفية القرار الاقتصادية، وحدد ملامح الطريق للمرحلة المقبلة، وحذّر الحكومة من المساس بالميزانيات المخصصة لتطوير المجتمع العربي.
في حديثه الخاص مع وصلة شرح المحافظ أن مجموعة من العوامل تضافرت لتوفير الظروف التي سمحت بتنفيذ أول خفض للفائدة منذ سنتين. وأكد بأن المعطيات الأخيرة تُظهر تباطؤًا واضحًا واستقرارًا في نسب التضخم لتكون ضمن نطاق الهدف الذي يحدده بنك إسرائيل (1%–3%). ويُضاف إلى ذلك ارتفاع قيمة الشيكل في الفترة الأخيرة مقابل العملات الصعبة، ما ساهم في كبح ارتفاع الأسعار، خصوصًا للسلع المستوردة. كما أشار يارون إلى تراجع مستوى المخاطر الجيو-سياسية كعامل مركزي آخر وراء قرار خفض نسبة الفائدة.
“الظروف الاقتصادية كانت مناسبة هذه المرة لخفض الفائدة”، يؤكد يارون، لكنه يسارع إلى توضيح الصورة. فالثقة المتزايدة لدى بنك إسرائيل نابعة من التقدير بأن التضخم سيظل ضمن نطاق الهدف، حتى لو شهد بعض التقلبات على المدى القصير، وهذه الثقة هي التي أتاحت اتخاذ هذه الخطوة. ومع ذلك، ورغم التفاؤل الحذر، يشير المحافظ إلى أن الطريق ما زالت مليئة بالتحديات وحالات عدم اليقين، وأن السياسة النقدية ستستمر بإدارة مسؤولة وبحسب التطورات.
المحافظ يارون أكد في حديثه أن خفض الفائدة الحالي لا يعني العودة إلى زمن “المال الرخيص”، أي الفترات التي كانت معدلات الفائدة فيها صفرية في غالبية دول العام، بل هو بداية لمسار تدريجي ومحسوب. ويؤكد أن أي قرار مستقبلي سيتخذ بحذر شديد وبعد دراسة معمّقة. ويشرح المحافظ أن المخاطر الاقتصادية ما زالت قائمة، الأمر الذي يستدعي اعتماد نهج “حذر” ومسار “متدرّج ومدروس” في أي خفض إضافي للفائدة. فالبيئة الاقتصادية والجيوسياسية ما تزال حساسة ومليئة بعدم اليقين. وفي المقابل، يُظهر الاقتصاد الإسرائيلي مؤشرات تدل على القوة والحصانة “بيانات إنفاق بطاقات الائتمان مرتفعة، سوق العمل ضيق ونسب البطالة متدنية، والأجور تواصل الارتفاع. وهذه عوامل قد تعيد إشعال التضخم إذا لم تتم إدارتها بالشكل الصحيح. إذا عاد التضخم للارتفاع، فالتصحيح حينها سيكون مؤلمًا جدًا”، يؤكد المحافظ.
“لن نعود إلى مستويات الفائدة الصفرية التي عرفناها قبل كورونا”
أما على المدى الطويل، فيعرض البروفيسور يارون رؤية جديدة لسوق الفائدة المحلي والعالمي، موضحًا أن على الجمهور والأسواق التأقلم مع واقع مختلف: “لن نعود إلى مستويات الفائدة الصفرية التي عرفناها قبل كورونا… نحن في نظام فائدة جديد.” ويتوقع المحافظ، بحسب تقدير قسم الأبحاث في بنك إسرائيل، أن يبلغ سعر الفائدة 3.75% في سبتمبر المقبل. ويرى يارون أن هذه “بيئة فائدة معقولة”، وتشكل مرساة أوضح للأسواق بشأن المسار المتوقع خلال العام القادم، وهو مسار ينعكس مباشرة على أحد أكثر القطاعات حساسية في الاقتصاد الإسرائيلي: سوق الإسكان.
تحذير للحكومة نتنياهو: “المساس ببرامج تطوير المجتمع العربي سيضرّ بالنمو“
في رده على سؤال وصلة حول الخطوات التي تسعى وزارة المالية ووزارة المساواة الاجتماعية تنفيذها لتقليص ميزانيات التطوير المخصصة للمجتمع العربي، وآخرها اقتراح الوزيرة ماي جولان تحويل ميزانيات من خطة الخمسية 550 الشرطة بحجة تخصيص ميزانيات لمكافحة العنف والجريمة، أكد بروفيسور يارون بأن بنك إسرائيل كان شريكًا كاملًا في دراسة وبلورة خطة التطوير السابقة (خطة 922) والحالية (خطة 550)، وأن النتائج واضحة تمامًا: “المردود على هذه الاستثمارات عالٍ جدًا… وهو مردود مثبت بالأرقام”، ويضيف أن لهذه الاستثمارات تأثيرات طويلة الأمد تتجاوز المجتمع العربي نفسه، إذ تنعكس إيجابًا على الاقتصاد الإسرائيلي كله عبر تعزيز النمو ورفع معدلات المشاركة في سوق العمل. وبالتالي، فإن تقليص هذه البرامج، بحسب المحافظ، يعني الإضرار المباشر بقدرة الاقتصاد الإسرائيلي على النمو:”المساس ببرامج التطوير في المجتمع العربي لا يضر بالمجتمع العربي فقط، بل يضعف أحد أهم محركات النمو الاقتصادي المستقبلي للدولة”.
