
هديل أبو ربيعة، عاملة اجتماعية ومديرة مجال تشغيل الشباب في مؤسسة “أجيك – معهد النقب”. تبلغ من العمر 28 عامًا، عزباء، وتعيش في قرية كحلة.
وُلدتُ في قرية كحلة، وأنا الابنة الكبرى في عائلة مكوّنة من ثمانية إخوة. أن تنشأ في قرية بدوية غير معترف بها يعني أن تقتصر طفولتك على اللعب والأنشطة داخل القرية نفسها، لا خارجها. لم يكن لدينا كهرباء في ذلك الوقت، وحتى اليوم تعاني منطقتنا من ضعف المواصلات العامة. إذ تقع أقرب محطة للحافلات على الطريق الرئيسي، على بعد نصف ساعة سيرًا على الأقدام. درست في مدرسة القرية حتى الصف التاسع، ثم واصلت دراستي الثانوية في كسيفة.

كنت طفلة ذات أحلام كبيرة، وكنت بحاجة إلى من يوجّهني. كان والداي دائمًا إلى جانبي، يشجعانني على التفوق في الدراسة وامتلاك الطموح للتقدم في الحياة. اليوم، في المجتمع البدوي، لم يعد التعليم العالي أمرًا نادرًا بين النساء وعموم الناس، وكان واضحًا لي أنني سأختار هذا المسار. وعلى الرغم من تفوقي في الرياضيات والفيزياء في المرحلة الثانوية، اخترت دراسة العمل الاجتماعي في جامعة بن غوريون، وكان ذلك نابعًا من حرصي على مجتمعي، ورغبتي في خدمته. معظم السكان في القرية يتحدثون العبرية، لكن عندما كنت في سن التاسعة عشرة، لم تكن لغتي العبرية بمستوى اللغة الأم. في سنتي الجامعية الأولى، لم أكن أفهم ما يقوله المحاضرين خلال المحاضرات، لذلك كنتُ أسجّلها وأقضي ساعات طويلة أدرسها وحدي في البيت. بعد السنة الأولى، أصبح الأمر أسهل. في الفصل الأخير من الجامعة، انتشرت جائحة كورونا، وعدت للدراسة عن بعد في القرية رغم ضعف الإنترنت وشبكة الهاتف. وقد مثّل ذلك تحديًا كبيرًا لي، لكنني أنهيت دراستي الجامعية بنجاح.

بعد الجامعة، بدأتُ العمل في مجال تطوير وتشغيل المجتمع البدوي، وفي العامين الأخيرين انضممتُ إلى مؤسسة أجيك، وهي منظمة عربية يهودية تُعنى بخلق تغيير اجتماعي. أرى أن قضية الشباب العرب العاطلين عن العمل هي مفتاح التغيير الاجتماعي. من المعتاد تسميتهم بـ”الشباب العاطلين عن العمل”، لكنني أفضل تسميتهم “الشباب غير المؤطر”. لقد نُشرت مؤخرًا بيانات أظهرت أن نسبة الشباب العربي غير المؤطر (بين 18-24 عامًا) ارتفعت من 22.3% في مطلع عام 2023 إلى 34.5% في عام 2024. كثير من الشباب الذين يدرسون في المدارس الثانوية العربية يواجهون حاجزًا لغويًا، إلى جانب نقص الوعي بمسارات التعليم العالي وفرص العمل، وهذه العوامل مجتمعة تساهم في تفاقم هذه المشكلة.
في مؤسسة أجيك أقود برنامج “بوصلتك” (מצפן-טק) لدمج الشباب في سوق العمل، حيث نُقدِّم لهم تدريبًا مهنيًا، وإعدادًا لعالم التوظيف، ونُعرّفهم بأصحاب العمل، وينتهي هذا المسار بالتوظيف. هدفنا هو إدماج الشباب في وظائف ثابتة وليست مؤقتة، ونستمر في مرافقة الخريجين وأصحاب العمل حتى بعد التوظيف لضمان نجاح التجربة. حتى الآن، شارك 300 شاب وشابة في دورتين من البرنامج، وتمكن 80% منهم من الانخراط في سوق العمل أو في التعليم العالي. بعد أن نشرنا عن البرنامج في شبكات التواصل الاجتماعي، تواصل معنا شاب تفاجأ عندما علم أننا مستعدون لقبوله في البرنامج رغم أنه لم يُكمل دراسته الثانوية. كان طالبًا متفوقًا اضطر إلى ترك دراسته بسبب جائحة كورونا، وهناك كثيرون مثله.

رغم ظروفي الصعبة في البداية، اخترت ألا أكون ضحية. لم أنظر يومًا إلى الصعوبات كعوائق، بل كفرص. في داخل كل امرأة ورجل تكمن طاقة يجب التركيز عليها، بدل التركيز على نقاط الضعف. إذا منحنا شبابنا فرصًا وتوجيهًا نحو عمل جيد ومستقبل أفضل، يمكننا بالتدريج تقليص ظاهرة العنف المنتشرة كثيرًا في المجتمع العربي. حلمي هو أن أقود تغييرًا حقيقيًا في صفوف الشباب غير المؤطرين. هذا سيتحقق من خلال استثمار الميزانيات لدعم وتمكين الشباب العرب، حتى نتمكّن من توسيع البرامج أكثر فأكثر وندفع عجلة التغيير إلى الأمام.











