
بينما كان المواطنون يتجولون في المتاجر خلال عطلة عيد العرش بحثًا عن عبوة حليب أو علبة كريمة، كانت ملايين اللترات من الحليب تُسكب في أنابيب الصرف الصحي في أنحاء البلاد. السبب لم يكن كارثة طبيعية أو خطأ إنتاجي، بل تعليمات الكوشر التي تمنع تشغيل مصانع الألبان في أيام السبت والأعياد. ووفق تقديرات مجلس الحليب، فإن الكمية المهدورة خلال الأعياد اليهودية بلغت نحو ثمانية ملايين لتر من الحليب الخام، أي أكثر مما يستهلكه المواطنون في أسبوع ونصف تقريبًا.
رغم أن مصانع الألبان توقفت عن العمل خلال الأعياد، فإنها واصلت شراء الحليب من المزارع التي لم تتوقف عن الحلب. فحتى الحليب الذي انتهى في المجاري كان قد جُمع ونُقل كما هو معتاد، لتُدفع قيمته لمزارع الأبقار. الدولة بدورها تعوّض مصانع الألبان بنسبة 75% من قيمة الحليب الذي اضطروا لإتلافه. ووفق التقديرات، فإن حجم التعويضات قد يصل إلى عشرات ملايين الشواكل، تُدفع من مجلس الحليب إلى الشركات المنتجة وفي مقدمتها “تنوفا” التي تسيطر على 77% من سوق الحليب في البلاد.
بهذه الصورة، تسببت الدولة — عبر أنظمتها الدينية والبيروقراطية — في أزمة حليب حقيقية، إذ عانى المستهلكون من نقص في الحليب الخاضع للرقابة بنسبة دهون 1% و3%، إلى جانب نقص في الحليب المدعّم والخالي من اللاكتوز ومشتقات الألبان النباتية. كثير من الأسر اضطرت إلى شراء أنواع بديلة بأسعار مرتفعة، بعد أن وجدت الرفوف فارغة. هذه الأزمة لم تبدأ مع الأعياد فحسب، بل تعود إلى يونيو الماضي حين بدأت شبكات التسويق تتحدث عن تراجع الإمدادات بنحو 50% من الكميات المعتادة.
وزارة الزراعة، التي يفترض أن تضمن توافر المنتجات الزراعية، لم تتحرك في الوقت المناسب. فالوزير آفي ديختر لم يعقد أول اجتماع لبحث أزمة الحليب إلا في العاشر من أغسطس، رغم أن النقص كان ظاهرًا منذ أسابيع. ولم يصدر قرار السماح باستيراد الحليب إلا في منتصف الشهر نفسه، متأخرًا عن الجدول الذي كان يمكن أن ينقذ الأسواق قبل موسم الأعياد. أما قرار وزارة المالية بدعم الاستيراد عبر إعفاءات جمركية، فلم يُترجم إلى نتائج ملموسة. فلم يدخل الحليب المستورد الأسواق في الوقت المناسب، بسبب أمراض الأبقار المنتشرة في أوروبا الشرقية والوسطى التي رفعت الأسعار هناك وجعلت الاستيراد غير مجدٍ اقتصاديًا.
حتى الشركات الكبرى التي أبدت استعدادها في البداية للاستيراد، مثل شبكة “رمي ليفي”، تراجعت عن خططها، معتبرة أن الجدوى انعدمت مع اقتراب الشتاء حين ترتفع إنتاجية الأبقار المحلية وتنخفض الأسعار. كما أن مجلس الحليب ووزارة الزراعة رفضا الاعتراف بأن انخفاض إنتاج الأبقار في الصيف هو سبب النقص، رغم أن بيانات المجلس تشير بوضوح إلى هذا التراجع الموسمي كل عام.
وثيقة داخلية لمجلس الحليب قُدمت قبل الأعياد لوزير الزراعة كشفت عن سبب آخر للأزمة، وهو تحويل بعض خطوط الإنتاج المخصصة للحليب الخاضع للرقابة إلى إنتاج حليب غير خاضع للرقابة يباع بسعر أعلى. هذا التحول سمح للمصانع بتحقيق أرباح إضافية، لكنه عمّق النقص في الحليب المدعوم الذي يعتمد عليه المستهلكون ذوو الدخل المحدود.
في الأسبوع التالي للأعياد، من المتوقع أن تصل إلى الأسواق شحنة حليب طويل الأمد (ESL) تستوردها شركة “Willi-Food” من بلجيكا. هذا النوع من الحليب يحتفظ بمذاق الحليب الطازج بفضل تقنية معالجة متوسطة بين الحليب العادي والحليب طويل الأمد. غير أن دخوله تأخر كثيرًا، إذ كان من المفترض أن يتوفر بعد يوم الغفران مباشرة. الاستيراد أصبح ممكنًا بفضل قرار وزير المالية بتسلئيل سموتريتش توسيع الإعفاء الجمركي ليشمل الحليب طويل الأمد.
من جهتها، نفت وزارة الزراعة وجود أزمة في إنتاج الحليب الخام داخل المزارع في البلاد، مؤكدة أن الإنتاج المحلي يغطي 106% من الطلب. وأشارت إلى أن النقص مؤقت وناجم عن مشاكل تشغيلية في بعض المصانع وليس عن تراجع في الإنتاج الكلي. وأضافت أن الأحداث في أوروبا المتعلقة بمرض الحمى القلاعية لا علاقة لها بالأزمة الإسرائيلية، إذ انتهت الإصابات هناك في أبريل الماضي ولم تؤثر على حجم الحليب المنتج.
مقالات ذات صلة: أزمة الحليب في البلاد: الحاخامان الرئيسيان يرفضان طلب الحكومة تشغيل مصانع الألبان











