
“بدأت المبادرة من موقف بسيط” تقول نتالي الزيناتي، صانعة محتوى، وصاحبة مبادرة شو بنفع ناكل بـ50 شيكل؟ في بلداتنا العربية، “يوم 8/1/2025 كنت في مدينة الناصرة، فطلبت من صديقتي — التي تعرف المدينة جيدًا — أن تقترح عليّ مكانًا أتناول فيه الطعام دون أن يكلفني ذلك أكثر من 50 شيكل”.
من هنا انطلقت فكرة المبادرة، التي تحوّلت لاحقًا إلى مشروع يتابعه الآلاف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يرصد الأسعار، ويختبر الطعام الشعبي والمتوفر، ويكشف عن ملامح السياحة الداخلية والقدرة الشرائية في مجتمعنا. لاحقًا، أصبحت العروض تنهال على نتالي لتجربة الطعام في مختلف البلدات مع نصائح من السكان حول أماكنهم المفضلة.
“لم تقتصر التجربة على البحث عن طعامٍ معقول التكلفة، كانت لدي رغبة في تحويل بلداتنا إلى وجهات سياحية، وإثبات أن تناول الطعام خارج المنزل ممكن بميزانية مقبولة”
رحلة الأكل بخمسين شيكل ليست مجرد مغامرة لمحبّي الطعام؛ إذ تفتح لنا كذلك نافذة تكشف الواقع الاقتصادي في بلداتنا العربية، ومستوى الخدمة، وثقافة الضيافة، وجاهزية بلداتنا للسياحة. وهي أيضًا دعوة لإعادة التفكير في استهلاكنا، والحفاظ على روح الأكلات الشعبية التي يُفترض أن تبقى في متناول الجميع.
في هذا الحوار، تحدّثنا نتالي صاحبة الفكرة عن دوافعها، وتنقل لنا انطباعاتها بعد زيارة عشرات القرى والمدن.
@nataliealz شو بنفع ناكل بخمسين؟ والمرة كفر مندا مخيز سيلين – منقوشة زعتر وجبتة ب 5 حمص فول ابو احمد – عجة ب 20 عصائر هاواي – انانس، بسيفلورا ومانجا ب 25 التوتال 50 مين تكون البلد الجاي؟
متى بدأتِ فكرة التجول في مختلف البلدات؟ وما الهدف منها؟
بدأت منذ بداية السنة الحالية 2025، لكنها وُلدت من حاجة يومية. فأنا أتنقّل كثيرًا، وأجوع، وأرغب في تناول طعام معقول التكلفة. ومن هنا بدأتُ أسأل نفسي: ماذا يمكنني أن آكل بخمسين شيكل؟ لم تقتصر التجربة على البحث عن طعامٍ معقول التكلفة، كانت لدي رغبة في تحويل بلداتنا إلى وجهات سياحية. فبحثت عمّا يفعله السيّاح عادة حول العالم، ولاحظت أن نسبة كبيرة منهم تتحقق من أماكن الأكل ذات التكلفة المناسبة. كما أن الظروف الاقتصادية الصعبة دفعتني لأثبت أن تناول الطعام خارج المنزل ممكن بميزانية مقبولة.
ماذا تشمل قائمة طعام الخمسين شيكل؟
الأمر يقتصر على الأكلات الشعبية الخفيفة والسريعة: الفلافل، المناقيش، المعجنات، وكل ما يمكن تناوله دون تجاوز الميزانية.
هل يمكنكِ ترتيب البلدات حسب الغلاء؟
غالبية البلدات أسعارها مرتفعة، وخاصة بلدات الجليل الأعلى، على الرغم من حصولها على تخفيضات ضريبية إلا أن الأسعار فيها تشبه أسعار مركز البلاد. والناصرة مدينة أسعارها مرتفعة جدًا. أما الأرخص فكانت بلدات الضفة الغربية بالطبع.
وأين كانت أفضل تجربة مقابل السعر؟
أفضل تجربة — من ناحية الجودة مقابل السعر — كانت في كوكب أبو الهيجا. أما الفلافل تحديدًا، فكان الأفضل في دالية الكرمل، ثم أم الفحم، ثم عرعرة وبيت لحم. بالنسبة للمناقيش والمعجنات: كانت سخنين وكوكب أبو الهيجا مميزتين.
هل الطعام الشعبي محدود؟
نعم. طعمانا الشعبي محدود جدًا في التنوع. في مرحلة ما لم أعد أستطيع أكل المزيد من الفلافل! وبدأت أبحث عن بدائل. هل يُعقَل أن يقتصر أكلنا الشعبي على الفلافل والمعجنات؟ حتى ما يسمى “المطبخ البيتي” والأكلات العربية المعروفة مثل ورق الدوالي والملفوف والمقلوبة فهي ليست متوفرة بكثرة للبيع وان توفرت فسعر الوجبة غالي.

ما البلدات التي تركت لديك انطباعًا جيدًا؟
كثير من البلدات، مجدل شمس، يافة الناصرة، فسوطة، بيت جن، أم الفحم، سخنين، عرابة، الرينة، قلنسوة، كوكب أبو الهيجا، طمرة…ليس بسبب السعر فحسب، بل بسبب المعاملة الطيبة من أصحاب المصالح وأهل البلد، ومن الذين رافقوني في التجربة. عندما أتحدث عن الكرم لا يعني بالضرورة “لا أدفع”، الكرم هو أن أشعر بأنني مرحّب بي، وأن أصحاب المصالح والناس مسرورون بوجودي.
كيف أثّر جمهور المتابعين على تجربتك؟
“هناك رغبة واضحة لدى الناس في أن يُظهروا جمال بلداتهم. ومن خلال ردود الفعل أرى حبًّا كبيرًا للمكان. دائمًا ما يرغب الذين يرافقونني في تقديم أفضل تجربة، وكرم الضيافة حاضر على الدوام. أتلقى نصائح ودعوات طوال الوقت لزيارة بلدات جديدة، وأخطط في المرحلة القادمة لزيارة بلدات النقب.
ماذا تقول تجربة الخمسين شيكل عن واقعنا الاقتصادي؟
الظروف صعبة. الحرب فرضت حالة جمود، والتكاليف تزداد، و«شهيتنا» تزداد معها. لذلك أصبح لزامًا علينا أن نفهم قيمة كل شيكل. كثيرون اقترحوا أن أرفع الميزانية لأنهم يعلمون أن 50 شيكل لا تكفي، لكنني كنت أعود وأثبت أنها تكفي، إن أحسنّا الاختيار. أحيانًا أخطئ في الحساب وأتعرض لمواقف محرجة، أحيانًا أتشارك الوجبة مع من يرافقني لأحافظ على الميزانية، أحيانًا أشتري نصف وجبة، وأحيانًا يحذرني الذين يرافقونني قائلين: “لا تدخلي هذا المطعم.. إنّه خارج ميزانيتك!” يؤلمني كثيرًا أن أرى كميات هائلة من الصور والفيديوهات في شبكات التواصل فيها بذخ وهدر للطعام، الكرم لا يعني تقديم كميات كبيرة يكون مصير معظمها في القمامة، والأكل نعمة وليس للاستعراض.
@nataliealz شو ممكن ناكل ب50 شيقل بالناصرة؟ اقترحولي كمان بلدنا نعمل عليهم فيديو او محلات بتنصحوا فيها لتوضيح: وجبة الفلافل عند الجبالي ب 23 وجبة الشوارما ب42
عن أبرز استنتاجات تجربة الخمسين شيكل تلخص نتالي بالنقاط التالية:
ضعف الوعي الاستهلاكي: ما زلنا بحاجة لفهم قوتنا الشرائية والمطالبة بأسعار عادلة. ليس منطقيًا أن يتجاوز سعر ساندويش الفلافل — وهو طعام شعبي — 10 إلى 15 شيكل، أو أن تتجاوز المنقوشة 5-7 شيكل.
تفاوت غير منطقي في الأسعار: يجب أن ينعكس التخفيض الضريبي الذي تحصل عليه المنطقة على أسعارها. لا يعقل أن تكون أسعار أقصى الشمال مساوية لأسعار المركز.
التفاصيل الصغيرة مهمة في السياحة الداخلية: أنا أراقب كل التفاصيل، وأدقق حتى في طريقة تعامل أصحاب المحلات مع العاملين لديهم، وهذا يؤثر على انطباعي. في إحدى البلدات دفعت أكثر مما يدفعه أهل البلد، وقد انتقد أهالي البلدة صاحب المصلحة ووبخوه.
البحث عن الأصالة: أبحث عن الأماكن القديمة والصغيرة التي لا يعرفها إلا أهل البلد. أرغب في تجارب صادقة، لا تقتصر فقط على تناول الطعام.
مقالات ذات صلة: “فزّة”: مبادرة شعبية لإحياء سوق الناصرة القديم











