
شهدت أسعار الذهب خلال العام قفزة غير مسبوقة دفعت المعدن النفيس إلى مستويات قياسية، قبل أن يتراجع من ذروته الأخيرة البالغة 4,380 دولار للأونصة في 20 أكتوبر ليستقر قريبًا من 4,100 دولار. وبينما بقي السعر أعلى بنسبة تزيد على 50% عن مستوياته مطلع العام، بدأ الانقسام يظهر بوضوح بين المحللين: فريق يتوقع استمرار الارتفاع، وآخر يعتقد أنه قد يتجاوز 5,000 دولار العام المقبل، بينما يرى المتشائمون أن موجة الصعود انتهت وأن مرحلة الهبوط بدأت بالفعل.
بحسب تقرير لصحيفة “ذي إيكونوميست”، علينا الانتباه إلى ثلاثة أنواع من المشترين لفهم حركة الذهب: مؤسسات الاستثمار والبنوك المركزية والمضاربون في الأسواق. فعادةً يزداد الطلب على الذهب من قبل مؤسسات الاستثمار بوصفه ملاذًا آمنًا خلال الأزمات المالية الكبرى، كما حدث بعد انفجار فقاعة الدوت كوم وبعد الأزمة المالية العالمية وفي فترة جائحة كورونا. لكن هذه القاعدة لا تفسّر موجة الصعود الحالية، إذ تضاعفت أسعار الذهب تقريبًا منذ مارس 2024 رغم عدم حدوث ركود اقتصادي، ومع ارتفاع مؤشر S&P 500 بحوالي 30% خلال الفترة نفسها، ومع بقاء معدلات الفائدة مرتفعة. وترى الصحيفة أن الربط بين الارتفاع وبين توقعات أزمة محتملة — بسبب سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أو التوتر التجاري مع الصين، أو إغلاق الحكومة الأميركية مؤخرًا — لا يقدّم تفسيرًا كافيًا، لأن أسواق الأسهم والذهب تحركت بشكل متوازٍ في الأسابيع التالية لهذه الأحداث.
كما طُرحت فرضية أن الارتفاع مدفوع بعمليات شراء من البنوك المركزية حول العالم، التي قد تسعى إلى تقليل اعتمادها على الدولار في ظل المخاوف المتعلقة بالديون الأميركية أو الضغوط السياسية على البنك الفدرالي. غير أن ذي إيكونوميست تبيّن أن البيانات الفعلية لا تتوافق مع هذه الفرضية؛ فالدولار بقي مستقرًا بعد تراجعه مطلع العام، وعوائد السندات الأميركية طويلة الأجل لم ترتفع، كما أن بيانات صندوق النقد الدولي تشير إلى تباطؤ مشتريات البنوك المركزية منذ السنة الماضية، وأن عددًا قليلًا من البنوك فقط هو الذي قاد الزيادة المحدودة في الطلب. أما الزيادة الكبيرة التي ظهرت في قيمة احتياطات الذهب لدى بعض البنوك المركزية، فهي ناتجة أساسًا عن ارتفاع سعر الذهب نفسه، وليس لأنها اشترت كميات أكبر بالفعل. وحتى استيراد الصين غير المعلن — الذي ظهر في بيانات الجمارك البريطانية — يبدو أنه بلغ ذروته قبل 2025.
وتشير الصحيفة إلى أن العامل الأهم في صعود الذهب بشكل غير مسبوق كان نشاط المضاربين، وخصوصًا صناديق التحوط وصناديق المؤشرات. ففي نهاية سبتمبر رفعت صناديق التحوط رهاناتها على ارتفاع الذهب إلى مستوى قياسي يعادل 619 طنًا، كما زادت صناديق المؤشرات مشترياتها في الفترة نفسها. لكن عندما بدأت هذه المشتريات بالتباطؤ، وقامت بعض صناديق التحوط ببيع ما يقارب 100 طن، حصل أول هبوط واضح في السعر نهاية الشهر، في إشارة إلى أن القوة التي دفعت الذهب إلى الارتفاع لم تعد كما كانت.
وتوضح الصحيفة أن الموجة الأخيرة في سوق الذهب بدأت عندما رفعت بعض البنوك المركزية احتياطاتها بشكل محدود، لكن هذا التحرك الصغير تطوّر تدريجيًا إلى موجة مضاربات ضخمة، مثل كرة ثلج تكبر كلما ارتفع السعر. وعندما توقفت موجة الشراء السريعة — وهي ما يُعرف بـ”تجارة الزخم” التي تقوم على شراء الذهب فقط لأنه يواصل الصعود دون وجود أساس اقتصادي صلب — وجد المستثمرون الذين تمسّكوا بالذهب طوال الوقت أنفسهم أمام احتمال تغيّر الاتجاه بشكل مفاجئ، لذلك حصلت عمليات بيع واسعة، لتفادي انقلاب الموجة، والتعرض لخسائر كبيرة.
وترى ذي إيكونوميست أن الإجابة عن سؤال “إلى أين يتجه الذهب؟” تعتمد على الجهة التي ستقود الطلب في المرحلة المقبلة. فإذا عادت شهية المضاربين بقوة، قد نشهد قفزات إضافية تقرّب السعر من 5,000 دولار. أما إذا استمرت عمليات البيع وتراجعت الاستثمارات في الذهب، فقد نشهد بداية مرحلة تصحيح أوسع.
مقالات ذات صلة:











