/
/
عمرها أكثر من خمسة آلاف عام: صلاح أبو علي حارس أقدم زيتونة في العالم

عمرها أكثر من خمسة آلاف عام: صلاح أبو علي حارس أقدم زيتونة في العالم

منذ أن عُيّن حارسًا للشجرة، قطع أبو علي كلّ علاقاته الاجتماعية، ولم يتركها إلّا نادرًا.
أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
910 5131763550230
تربط بين صلاح أبو علي والشجرة علاقة خاصة.

 

يجلس صلاح أبو علي (52 عامًا)، المعروف بـ ‘أبو عيسى’، يوميًا تحت شجرة زيتون عملاقة تمتد جذورها إلى أعماق الأرض. يبلغ ارتفاع الشجرة 16 مترًا، ويتفرّع جذعها إلى أكثر من عشرة جذوع ممتدة. إنها شجرة الزيتون الأكبر الموجودة في قرية الولجة الواقعة بين القدس ومدينة بيت جالا، وهي واحدة من أقدم أشجار الزيتون في العالم. أبو علي هو الوصي على الشجرة وحارسها الدائم منذ سنوات عديدة.

تقع قرية الولجة على بُعد حوالي أربعة كيلومترات شمال غرب بيت لحم، وجنوب غرب القدس. خلال النكبة، خسر سكان القرية حوالي 70% من أراضيهم، وأعاد بعض المُهجَّرين بناء منازلهم على أراضي القرية المتبقية في الضفة الغربية، على بعد حوالي كيلومترين من القرية الأصلية. وتم تهجير آخرين إلى مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية والدول العربية المجاورة.

“هذه الشجرة غاضبة وحزينة جدًا لأن معظم أشجار الزيتون في غزة احترقت، لذلك لم تعطنا ولا حبة زيتون واحدة.”

 

قضى أبو علي طفولته تحت ظل الشجرة المهيبة. “بحسب خبراء الزراعة الدوليين، يتراوح عمر هذه الشجرة بين 3,500 و 5,000 عام، ولكننا نحن المزارعين نعلم أنها أقدم وأكبر شجرة زيتون في العالم”. يقول صلاح أبو علي.

2
أمضى أبو علي طفولته في ظلّ الشجرة

 

حارس بوابة الشجرة

عندما وصلنا إلى قرية الولجة، كان جميع السكان يعرفون بدقة كيف يصفون الطريق المؤدي إلى الشجرة. قادنا دليلنا عبر مزارع الزيتون والتين والزعرور. قطعنا بساتين ومررنا بينابيع المياه حتى وصلنا إلى طرف الوادي، حيث كانت الشجرة التي نبحث عنها تنتظرنا، محاطة بسياج وبوابة مغلقة. دخلنا فناءً واسعًا تحيط به الأعشاب الطبية والزهور الملونة التي زرعها أبو علي. “انظروا  إليها! يا لها من شجرة جميلة! ولجعل المكان أجمل، زرعت أعشابًا طبية، ونعناعًا وميرمية وبقدونس وخوخًا وعنبًا”.

3 1
يبلغ ارتفاع الشجرة 16 مترًا، ويتفرّع جذعها إلى أكثر من عشرة جذوع ممتدة.

 

وبسبب اهتمامه الكبير بهذه الزيتونة وارتباطه بها، عيّنت العائلة التي تملكها أبو علي حارسًا لها بشرط أن يبقى بجانبها على مدار 24 ساعة يوميًا. وفي وقت لاحق، عيّنته وزارة الزراعة الفلسطينية وصيًا على هذا الإرث براتب زهيد، ودون إمكانية الحصول على إجازة أو عطلة.

بحسب أبو علي، تقيم عائلات القرية مهرجانًا كاملاً في موسم قطف الزيتون تحت الشجرة التاريخية: “تقيم العائلات طقوسًا خاصة بجوار الشجرة. يغني المشاركون الأغاني ويقيمون أنشطة خاصة خلال قطف الزيتون، من ضمنها المساعدة في قطف أشجار الزيتون المحيطة”.

هذه السنة ليست حتّى “شلتونية”، إذ كان إنتاج الزيتون فيها شبه معدوم.

 

لا يسمح أبو علي لأحد بقطف زيتون هذه الشجرة الفريدة، باستثناء قلة قليلة من الخبراء وذوي الخبرة. فهو يختار أفضل مزارعي العائلة ويمنحهم هذا الحق. يجب أن يتم القطف بلطف ويدويًا فقط، دون أي استخدام للعصي أو أدوات أخرى قد تلحق الضرر بالشجرة. علاوة على ذلك، هناك مئات الزوار الدائمين للشجرة من أوروبا والولايات المتحدة يأتون لزيارتها في موسم قطف الزيتون، ولكن يُسمح لحوالي عشرين منهم فقط ممن لديهم معرفة بتاريخ الشجرة بالمشاركة في القطف بشكل مباشر، ببينما يكتفي بقية الزوار بالمشاركة في الاحتفالات المتعلقة بموسم قطف الزيتون.

4 3
صلاح أبو علي (52 عامًا)، المعروف بـ ‘أبو عيسى’.

 

الشجرة تحسّ وتفهم

يقطف أبو علي ثمار هذه الشجرة التي أصبحت أشبه بالأسطورة منذ أن كان في العاشرة من عمره. يقول: “هذه الشجرة المباركة تمنحنا نصف طن من الزيتون سنويًا، وننحن نتبارك بزيت الزيتون الذي تنتجه، لكن هذا العام، لم تمنحنا الشجرة ولا حتى حبة زيتون واحدة، وهذا لم يحدث من قبل”. يعتقد أبو علي أن السبب في ذلك يعود إلى رهافة شعور الشجرة: “شجرة الزيتون حساسة، تشعر بالناس المحيطين بها. وهذا مؤكد بالنسبة لجميع أشجار الزيتون، لكن هذه الشجرة تحديداً غاضبة وحزينة جدًا لأن معظم أشجار الزيتون في غزة قد احترقت. هكذا تتفاعل شجرة الزيتون مع ما يحدث على هذه الأرض، وبالفعل لم تُثمر أشجار الزيتون هذا العام”.

وبحسب أبو علي، يصنف مزارعو الزيتون كلّ سنة حسب إنتاج الزيتون فيها. العام الذي تُثمر فيه أشجار الزيتون بوفرة يُسمى “سنة الألماس”، والعام الذي يكون فيه الإنتاج أقل من سنة الألماس، أو شحيحًا بشكل عام، يُسمى “سنة شلتونية”. اتفق جميع المزارعين الفلسطينيين على أنه لا يمكن تصنيف هذه السنة (2025) كسنة “شلتونية”، لأن إنتاج الزيتون فيها لا يمكن أن يوصف بالشحيح، بل بالمعدوم.

5 1
يعلّق أبو علي على جذوع الشجرة مشغولات يدوية فلسطينية

 

تنتمي هذه الشجرة إلى نوع من أشجار الزيتون يُعرَف بـ”الحواري”، والذي سُمّي كذلك نسبةً إلى التربة البيضاء التي زُرع فيها. هذا النوع يُعد نادرًا في فلسطين، وهو من أقدم أنواع الزيتون في العالم. وتكون زيتونته سوداء وكبيرة، وعادةً ما تعطي هذه الأشجار كميات كبيرة من الزيتون. ويستغرق قطف الشجرة الواحدة ذات الحجم الكبر من هذا النوع عدة أيام، حتى مع وجود عشرات الأشخاص الذين يساعدون في عملية القطف.

تربط بين أبو علي والشجرة علاقة خاصة. فمنذ أن عُيّن وصيًا وحارسًا على الشجرة، تخلّى عن كل علاقاته الاجتماعية، ونادرًا ما يغادر الحقل أو القرية، إلا لساعات قليلة في حالات الطوارئ. فهو لا يثق بأحد لحماية الشجرة بدلاً منه. وعندما سألناه عمّا يقدمه للشجرة بشكل خاص، أجاب: “قبل كل شيء، أقدم لها الحب والحنان. برأيي هذا أهم ما يجب تقديمه لشجرة كهذه، لأنها تشعر بهذا الحب وتعطينا زيتونًا في المقابل. بالإضافة إلى ذلك، أحرث الأرض وأضع سمادًا عضويًا في التربة، وأقوم بتقليم الشجرة وريّها عند الحاجة”.

للتأكيد على الهوية الفلسطينية للأرض والشجرة التاريخية، يعلّق أبو علي على جذوعها قنديلًا وسلّات ومسابح وأطباق من القش صُنعت بأيادي فلسطينية، ووضع تحت ظلها أدوات فلسطينية تقليدية. يزور مئات السياح من عدة دول هذه الشجرة سنويًا، يلتقطون لها الصور ويلتقون بحارسها.

المقال مُترجم ومنشور في وصلة بإذن خاص من موقع SABRA

مقالات مختارة