/
/
“فزّة”: مبادرة شعبية لإحياء سوق الناصرة القديم

“فزّة”: مبادرة شعبية لإحياء سوق الناصرة القديم

أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
1 1
سوق الناصرة القديم بواجهاته الملونة الجديدة

 

في يوليو من عام 2024، اقتحمت الشرطة سوق الناصرة القديم بحجة “البحث عن السلاح والمخدرات”. خلال الحملة، حطمت الشرطة أبواب وأقفال محلات كثيرة في السوق، خاصة في سوق المبيضين – السوق التاريخي المشهور بأعماله النحاسية منذ القرن التاسع عشر. على إثر ذلك، وُلِدَت مبادرة شعبية حملت اسم “فزّة”، جمعت متطوعين من جميع أنحاء البلاد لطلاء الأبواب المكسورة وإعادة الحياة إلى سوق الناصرة القديم.

سوق تتلاشى فيه الحياة ببطء

اشتهر سوق الناصرة القديم بأعماله النحاسية، ويعود تاريخه إلى القرن السابع عشر، حيث كان في السابق قلب المدينة النابض. ففي كل زاوية منه كانت تتردد أصداء المطرقة على النحاس، ورائحة الخشب المصقول، وكان يؤمّه الزوّار من مختلف أنحاء البلاد.

حاولت الشرطة منع المبادرة من الاستمرار، لكن رزان وظاهر استطاعا الاستمرار فيها رغم العقبات.

 

لكن السوق اليوم شبه فارغ. فمعظم المحلات مغلقة، واختفى الحرفيون، وهُجِرَت الأزقة. تصف رزان زعبي زيداني، المعمارية الفلسطينية ومطورة المشاريع الثقافية في المواقع التاريخية، الوضع قائلة: “محلاتنا أُغلقت واحداً تلو الآخر. السوق فقد روحه”.

8B1B4248 5C6A 4549 9622 4A05527ABF72
السوق اليوم شبه فارغ ومعظم المحلات مغلقة

حملة تحولت إلى نقطة تحول

في ذلك اليوم من يوليو، عندما اقتحمت الشرطة السوق، لم تُكسر الأبواب فقط. “الهدف الرئيسي من هذه الاعتداءات المتكررة كان تحطيم الروح المعنوية لأصحاب المحلات أكثر من التخريب المادي”، تقول رزان. “لكن أصحاب المحلات كانوا مؤمنين بأنهم قادرون على إحياء سوق المبيضين من جديد”.

سندعو أصحاب المحلات إلى تقديم تسهيلات لتشجيع أكبر عدد ممكن من الشباب، وخاصة أصحاب المهارات المهنية، على الانضمام إلى حركة العودة إلى السوق.

 

أطلقت رزان وزوجها ظاهر ظاهر، صاحب مقهى الرضى في البلدة القديمة، مبادرة باسم “فزّة”. “أردنا أن يشعر أبناء الناصرة والمدن المجاورة بأهمية تخصيص جزء من وقتهم للحفاظ على استمرارية التراث”، توضح رزان.

E5A0A35E 426E 4B73 828E 108EB354B64E
“طلينا الأبواب بألوان جميلة تعكس نوع المحلات والمهن القديمة التي كانت هنا”

أيام السبت: ألوان وأمل وهوية

على مدى ثلاثة أشهر، من يوليو حتى سبتمبر 2024، كان المتطوعون يأتون كل يوم سبت إلى السوق، حيث شارك حوالي مئة متطوع من مختلف الأعمار ومن جميع أنحاء البلاد في طلاء تسعين باباً في سوق الناصرة.

يشرح ظاهر كيفية اختيار الألوان: “طلينا الأبواب بألوان جميلة تعكس نوع المحلات والمهن القديمة التي كانت هنا. اللون البرونزي النحاسي في سوق النحاسين يعكس لمعان النحاس ويُعبِّر عن المهن القديمة المرتبطة بهذا المعدن. والألوان البنية في سوق الجلود تذكرنا بصناعة الأحذية والحقائب. وتحاكي الألوان الزاهية في سوق الأقمشة تنوع الأقمشة والمنسوجات”.

وكجزء من المبادرة، تطوع الفنان محمود خليل من جديدة المكر لرسم جدارية تحمل عبارة “مين إحنا”. “هذا سؤال وطني يتعلق بالهوية”، يشرح ظاهر. “من نحن كشعب؟ ما علاقتنا بهذا المكان؟ كيف نحافظ على تراثنا في وجه محاولات المحو؟”

8
طلاء أبواب المحلات التجارية- شارك مئة متطوع في الحملة

تمويل شعبي… لا حكومي

من النقاط المهمة في المبادرة أنها تُدار بالكامل بالاعتماد على تبرعات الناس. “تأتي المساهمات التي أتاحت إقامة مشروع ‘فزّة’ واستمراره من الدعم المالي لمتطوعين ومتبرعين مؤمنين بأهمية المشروع، وليس بدعم مادي من الدولة أو من أي جهة رسمية أخرى”، تقول رزان.

حتى الآن، جُمِعَت تبرّعات تبلغ قيمتها حوالي خمسة آلاف شيكل من فلسطينيين داخل البلاد وفي الشتات، بالإضافة لتبرعات من الأوقاف المسيحية وأصحاب المحلّات في السوق. “كثير من أصحاب المحلات القديمة وأبنائهم أثنوا على هذه المبادرة وساهموا في التبرعات، لأن محلاتهم تُمثِّل تراثاً معمارياً وإرثاً ثقافياً عريقًا”.

قبل “فزّة”، لم يكن السوق نابضاً بالحياة. لكن بعد طلاء الأبواب، بدأ كثير من الناس بالمجيء لرؤية السوق والتغييرات التي صنعتها المبادرة، ما أعاد جزءاً من الحياة إلى سوق الناصرة القديم. الأبواب الملونة أصبحت تجذب الأنظار، والأزقة التي كانت مهجورة بدأت تشهد حركة من جديد.

عقبات مادية تواجه المبادرة

لكن المبادرة تواجه تحديات عديدة. “لم تتوفر التبرعات بشكل دائم، لذلك كان المشروع يتوقف بين الحين والآخر حتى نتمكن من جمع المال المطلوب لشراء المواد اللازمة لإصلاح الأضرار”، تقول رزان. كذلك حاولت الشرطة منع المبادرة من الاستمرار، لكن رزان وظاهر استطاعا الاستمرار فيها رغم العقبات.

اليوم تعمل المبادرة بشكل غير منتظم، إذ تُستأنف فقط عندما يتوفر ما يكفي من المال لمواصلة نشاطها. “نحاول مساعدة المحلات لفتح أبوابها مرة أخرى”، تقول رزان. لكن حتى الآن لم تُفتتح محلات جديدة في السوق.

4 2
“طلينا الأبواب بألوان جميلة تعكس نوع المحلات والمهن القديمة التي كانت هنا”

 

التشبيك بين أصحاب المحلّات والمبادرات الشبابية

“نطمح في المرحلة القادمة إلى ربط المبادرات الشبابية الراغبة في فتح محلات داخل السوق مع أصحاب الحقوق فيه، سواء كانوا مالكين أو مستأجرين محميين”، تقول رزان. “سندعو أصحاب الحقوق إلى تقديم تسهيلات لتشجيع أكبر عدد ممكن من الشباب، وخاصة أصحاب المهارات المهنية، على الانضمام إلى حركة العودة إلى السوق، بما يفتح أمامهم فرصًا جديدة”.

تلخّص رزان رؤيتها للمشروع: “الناصرة لا تخصّ فقط المتطوعين في هذا المشروع، بل هي مدينة تفتح أبوابها لجميع المؤمنين بأهميتها وتراثها. مشروع ‘فزّة’ مستمر للحفاظ على إرثنا التراثي الفلسطيني رغم كل التحديات والصعوبات”.

مقالات ذات صلة: من رام الله إلى العالم: كمان، تشيلو وفيولا بختم “صُنع في فلسطين”

مقالات مختارة